العداء الذي تحوَّل إلى تحالف..!!

م . طلال القشقري
عاشت أوروبا قرونًا من العداء الشَّديد بين اليهود والمسيحيِّين؛ بسبب الاتِّهام المسيحيِّ لليهود بأنَّهم المسؤولُون عن قَتْل وصَلْب المسيح عيسى بن مريم -عليهما السَّلامُ-، وبالطَّبع فإنَّ القرآن الكريم ينفي قَتْله وصَلْبه تمامًا، رغم أنَّ محاولتهم لذلك ثابتةٌ تاريخيًّا، وهم أصلًا مَن قتلُوا الأنبياء مثل: زكريا، ويحيى -عليهما السَّلام-، وهم كذلك مَن حاولوا قتل نبيِّنا محمَّد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بالسُمِّ، وغيره!.
وبسبب الاتِّهام اُضْطُهِدَ اليهودُ في أوروبا لحقبةٍ طويلةٍ، عكس الأمان الذي تمتَّعُوا به في نفس الزَّمن، عندما كان بعضُهم يعيش في الدُّول العربيَّة!.
وخفَّ العداء بعد الحرب العالميَّة الثانية، وإنشاء إسرائيل عام ١٩٤٨م بِسَعْيٍ من كبيرة أوروبا -آنذاك- بريطانيا، إذ لعِبَت المصالح السياسيَّة دورًا أكبرَ من الخلافات الدِّينيَّة، وكانت مصالح الطَّرفين، أوروبا وإسرائيل، متوافقة على حساب العالم الإسلاميِّ الذي كان غارقًا في التفرُّق بعد استعماره الطَّويل، ثمَّ تحرُّره!.
وفي عام ١٩٦٥م أصدر الفاتيكان -آنذاك- وثيقة (Nostra Aetate) التي أبطلت اتِّهام اليهود بقتْل وصلْب المسيح، فصفت العلاقات بينهم وبين المسيحيِّين، لكنَّ اليهود استغنُوا عن أوروبا التي ضعُفَت، وعبرُوا المحيط الأطلسي، وأنشأوا لوبيًّا ضاغطًا في أمريكا، عظيمة العالم، وتغلغلُوا وسط الكنائس البروتستانتيَّة؛ بسبب قوَّة التيار الإنجيلي فيها، فدعمهم هذا الأخير بناءً على النبوءات التوراتيَّة والتلموديَّة لأحداث نهاية الزَّمان التي حرَّفها اليهودُ وفصَّلُوها بالمقاس على أنفسهم؛ ليكسبُوا دعم هذا التيَّار المتطرِّف، وانتماء معظم السياسيِّين الأمريكيِّين إليه، وإيمانهم بأنَّ السبيل الوحيد لنزول المسيح للأرض، وتخليصه لهم هو مساندتهم لليهود، والقضاء على عدوِّهم الذي هو الإسلام، وفي مقدِّمة عدوِّهم الشَّعبُ العربيُّ الفلسطينيُّ المُعرَّض الآنَ لتهجيره بالكامل من أرضه!.
وهذا التحالف الذي كان عداءً بين الأيديولوجيتَيْن اليهوديَّة والمسيحيَّة المتطرِّفتَيْن يفرض علينا كعرب ومسلمين وحدة الصَّفِّ، فالمعركة ليست فقط تهجير للفلسطينيِّين، بل صراعٌ وجوديٌّ على الهويَّة والمقدَّسات، ولا سبيل لمواجهته إلَّا بالتَّصالح الفلسطينيِّ، والتكاتف العربيِّ والإسلاميِّ والدوليِّ قبل فوات الأوان.