منصات بريال

  • سعيد بن مسعود المعشني

بات من اللافت أن معظم المسؤولين، حين يستعرضون منجزات وحداتهم الحكومية، يبدؤون بجملة تكاد تتحول إلى لازمة مألوفة: “أنشأنا منصة جديدة…”، يليها عادةً اسم مختصر يحمل وقعًا أنثويًا، في مفارقة باتت تثير الاستغراب، لا سيما لدى جيلنا نحن، جيل ما قبل النهضة.
ولأن التحديات الإدارية والخدمية كثيرة، تجد أن بعض الجهات الحكومية لديها عدد متزايد من المنصات والتطبيقات التي تُطلق سنويًا، حتى كادت الأسماء تتشابه وتتقاطع. ومع هذا التوسع المطرد في المنصات، أضحى المواطن في حيرة، تائهًا بين أسماء متشابهة وخدمات متفرقة، لا يكاد يُتقن ويتعرف على استخدام واحدة حتى تظهر أخرى بذات الوزن والقافية.
لا جدال في أن التحول الرقمي وتيسير الخدمات إلكترونيًا هدف نبيل ومطلب ملحّ في عصرنا الحالي، ويستحق القائمون عليه التقدير والشكر. لكن الإشكال يكمن في غياب منهجية التكامل والتنسيق بين الجهات الحكومية، وفي تضخم عدد المنصات التي لا يجمعها رابط ولا توحدها رؤية مشتركة، مما يؤدي إلى هدر في الوقت والموارد، ويزيد من معاناة المستخدم.
التحول الرقمي الحقيقي لا يقتصر على نقل المعاملة من الورق إلى الشاشة، بل يجب أن يُبسّط الإجراءات، ويوحّد مصادر البيانات، ويعزز التكامل بين الوحدات الحكومية. كما يجب أن يتيح للمستخدم تجربة أكثر سلاسة وفاعلية. أما الواقع اليوم، فيُظهر أن كثيرًا من هذه المنصات تنسخ البيروقراطية وتعيد إنتاجها رقميًا، دون أن تقدّم بديلًا ذكيًا أو عمليًا.
المنصات الرقمية، مهما بلغت من التطور، تظل أداة، لا غاية. ولا يُعقل أن نُحمّل المواطن عبء تتبعها والتعامل معها دون أن نمنحه الحد الأدنى من التوجيه والتكامل في الخدمة. وإذا تعذر – في الوقت الراهن – إنشاء منصة موحدة للخدمات شاملة على مستوى الحكومة، فالأولى على الأقل أن تُدمج المنصات داخل الجهة الواحدة، بما يقلل التشتت ويرفع من جودة الأداء.
إن ما يحتاج إليه المواطن حقًا ليس مجرد أسماء براقة أو تطبيقات جديدة تُضاف إلى القائمة، بل تجربة رقمية موحدة وسهلة، تضع احتياجاته في المقدمة وتجنبه الدوران في دوامة إلكترونية لا تنتهي.

زر الذهاب إلى الأعلى