المدن الذكية في سلطنة عُمان: نحو توازن متكامل بين التراث والحداثة

مسقط – 10 أغسطس /العُمانية/ تسعى سلطنة عُمان إلى بناء مدن ذكية تتماشى مع متطلبات العصر الحديث، مع الحفاظ على الترابط العميق بين الماضي والحاضر، لتعكس الهوية الوطنية ومقتضياتها ضمن مسار متكامل للتحول العمراني.
وتتجلى رؤية قطاع البناء في تعزيز التناغم بين التراث والحداثة عبر تطوير سياقات مبتكرة ومستدامة، تركز على تحسين حياة الأفراد والبنية التحتية وتسريع التنمية الاقتصادية، بما يعكس رؤية شاملة للمدن الذكية التي ترتكز على العلاقة بين الإنسان والمكان.
وتُعد مدينة السلطان هيثم نموذجًا بارزًا للمدن الذكية في السلطنة، حيث تجمع بين الحداثة والخصوصية لتصبح وجهة استثمارية واعدة، مواكبةً لأهداف “رؤية عُمان 2040”.
في هذا الإطار، يقول المهندس الحسن بن علي الشكيري، من المكتب التنفيذي لمشاريع المدن الذكية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني، إن المدن الذكية في عُمان ليست مجرد بنى تحتية رقمية، بل أدوات لتجديد الهوية وتحسين جودة الحياة، مستمدة من العمارة العُمانية التقليدية وفهمها العميق للبيئة والسلوك المجتمعي. وأضاف أن السلطنة تلتزم بمبادئ معمارية أصيلة تتكامل بسهولة مع التقنيات الحديثة، مثل أنظمة الاستشعار الذكية، والتحكم بالإضاءة، والمحاكاة المناخية.

وأشار الشكيري إلى أن العمارة العُمانية التقليدية توفر نموذجًا متقدمًا في استخدام مواد البناء المحلية التي تقلل من الانبعاثات وتوفر عزلاً حراريًا طبيعيًا، إضافة إلى تصميم النوافذ والمشربيات التي تنظم التهوية والإضاءة بذكاء بيئي، مع تخطيط متراص يوفر مسارات مظللة للمشي ويقلل من حرارة الشوارع. وأكد أن المدينة الذكية في عُمان تستلهم من التراث لتصوغ مستقبلًا متجذرًا في بيئة الناس وثقافتهم، من خلال تحويل المفاهيم التراثية إلى حلول عملية مستدامة تقلل استهلاك الطاقة وتحسن جودة الهواء وتعزز الانسجام البصري والعمراني.
وأوضح الشكيري أن من أسس العمارة العُمانية التي يجب الاستمرار عليها في المدن الذكية هي التكيف مع البيئة، والبناء المستدام، والتناغم مع التضاريس، وإدارة الموارد بذكاء. وأكد أن السلطنة قادرة على المزج بين القديم والجديد، مع التركيز على المجتمع قبل التكنولوجيا، والسياحة الذكية المرتبطة بالهوية.
بدوره، أكد الدكتور هيثم بن نجيم العبري، معماري وباحث في العمارة والمدن العُمانية، أن السلطنة تتمتع بخصوصية فريدة في فنون البناء والتخطيط العمراني، تعكس حكمة الأجداد في التوافق مع الطبيعة واحترام الموارد، مما شكل أساسًا متينًا استمر عبر الأجيال. وأوضح أن المدن الذكية في عُمان ليست مجرد تقليد للمدن الذكية العالمية، بل امتداد لعبقرية الأجداد، حيث تغذي التكنولوجيا الهوية ولا تطمسها، وأن الأجيال الجديدة من المهندسين مدعوون للحفاظ على هذا الإرث بابتكارات تجمع بين الماضي والمستقبل.

وأشار العبري إلى أن التحديات المحلية في مجال المدن الذكية تتضمن الاستيراد النمطي للنماذج العالمية، وضعف التوثيق الرقمي للتراث المعماري، وتعقيدات توافق التقنيات مع القيم الاجتماعية، وندرة الكوادر المحلية المتخصصة، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية. وأكد أن الحلول تكمن في توطين الابتكار، والتوثيق الرقمي الشامل، ووضع تشريعات تلزم دمج الهوية في التصميم، والتعليم الهجين بين التراث والتكنولوجيا، والشراكات الذكية، حيث تمتلك السلطنة كافة المقومات لتحقيق التوازن بين الأصالة والابتكار.
من جانبه، أوضح عبد العزيز بن محمد البلوشي، مالك عقار بمدينة السلطان هيثم، أن دمج القيم التراثية في البنية التقنية للمدن الذكية يجمع بين الحداثة والقيم العُمانية الأصيلة، مع احترام واضح للخصوصية من خلال تصميم الأحياء والمنازل، ومراعاة النسيج الاجتماعي بوجود مساجد ومجالس وحدائق تعزز التواصل المجتمعي.

وأضاف أن الطابع البصري والتصميمي للمدن الذكية العُمانية يشكل تجربة معيشية متجذرة في الأصالة ومنفتحة على الابتكار، حيث تبرز اللغة البصرية الهوية العُمانية عبر المعمار المستوحى من التاريخ المحلي، مثل الأقواس والنقوش التقليدية، مع دمج عناصر التصميم الحديث كالإنارة الذكية، والمساحات الخضراء المتصلة، ومسارات المشاة والدراجات الذكية، مما يخلق بيئة يشعر فيها الفرد بالانتماء إلى بيئته العُمانية مع الاستفادة من مزايا العصر الحديث.





