المنطق وراء الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية

بقلم/ د. صالح بن حمد بن محمد البراشدي

عميد كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس

بمجرد ما أن أعلنت منظمة الصحة العالمية في الثلاثين من شهر يناير من العام 2020 بأن أعداد الإصابات بفيروس كورونا شكلت حالة طوارئ صحية عامة تثير القلق الدولي؛ سارعت مراكز الأبحاث التابعة لمختلف المؤسسات البحثية والأكاديمية، وشركات الأدوية العملاقة لإجراء الأبحاث والتجارب من أجل التوصّل لاكتشاف لقاح/عقار طبي بغية استخدامه للتخفيف/لمعالجة الآثار الناتجة عن الإصابة بالفايروس. وبعد مرور عدة أشهر من الاعتكاف على البحث وإجراء التجارب السريرية -والتي بحد ذاتها كلّفت الكثير من الأموال الطائلة-، تمخّض عن هذه الجهود الإعلان عن مجموعة من اللقاحات منها: لقاح “سبوتنيك-في”، و”أسترازينيكا أكسفورد”، و”مودرنا”، و”فايزر-بيونتك”، و”نوفافاكس”، و”جونسون آند جونسون”، و”سينوفارم”. حيث قامت كل شركة مكتشفة للقاح ما بإيداع طلب الحصول على براءة اختراع، وكذلك تسجيل المنتج (اللقاح) كعلامة تجارية لتمييزه عن غيره من اللقاحات الأخرى بحيث يستطيع المستهلكون التعرّف عليه في الأسواق بسهولة من خلال العلامة التجارية اللصيقة به، علاوة على قيام الشركات والمراكز البحثية بنشر أغلب المقالات العلمية التي تم تأليفها من قِبل الباحثين والمختصين والتي تتضمَّن نتاج فكرهم البحثي، وبعضها لنتائج التجارب السريرية. هذا إلى جانب إلزام الشركات بإعطاء كافة التفاصيل المتعلِّقة باللقاح بغية نشرها للعامة نظير حصولها على حق استئثاري لمدة من الزمن (عشرون عاماً لبراءة الاختراع). إضافة إلى الجهود التي ساهمت بها هيئات الإذاعة والتلفزيون من خلال بث مختلف الأعمال الأدبية والفنية والتي لها علاقة بمكافحة فيروس كورونا (كاللقاءات العلمية الحصرية، وكالبرامج الوثائقية التي تم إعدادها خصيصاً للحديث عن كل ما هو جديد في عالم اللقاحات)؛ وبذلك لم يعد للحواجز الجغرافية أي اعتبار في ظل الأعمال التي تنتجها/تبثُّها هذه الهيئات. في ضوء ما تم ذكره أعلاه، دعونا نتأمل في الآتي: يا تُرى لو لم يكن هناك نظام قانوني يوفِّر الحماية اللازمة للشركات المبتكرة لمختلف اللقاحات والأدوية، هل سيكون لديها الحافز لإِطلاق العنان لأفكار باحثيها بُغية السعي لابتكار منتج ما، وتسجيل علامة تجارية لصيقة به تتيح للجمهور تمييزه عن غيره من المنتجات؟ أيضاً يا تُرى لو لم يكن هناك نظام قانوني يوفّر الحماية اللازمة للإنتاج الأدبي والفكري للباحثين والمختصين كلٌ في مجال اختصاصه، هل سيكون لدى هذه الفئة الحافز لإِطلاق العنان لأفكارهم بُغية إجراء أبحاث أو دراسات تنتفع منها البشرية جمعاء؟ أيضاً يا تُرى لو لم يكن هناك نظام قانوني يوفِّر الحماية اللازمة لهيئات البث الإذاعي والتلفزيوني نتيجة للخدمات التي تُقدِّمها في بث المصنفات الفكرية والإبداعية للجمهور، هل سيكون لديها الحافز في بث/إخراج/إنتاج أعمال أدبية وفكرية يستفيد منها الجمهور؟ لو فتشّنا في المنطق القانوني في توفير حماية قانونية لحقوق الملكية الفكرية لوجدنا أنه لولا نظام المكافآت التي تتيحها قوانين الملكية الفكرية والصناعية للمبتكرين والمبدعين، والمُتمثِّلة مثلاً في منحهم حق استئثاري على إنتاجهم الفكري والإبداعي لمدة من الزمن؛ لما وجدت هذه الفئة ما يُحفِّزها على الاستمرار في البحث والتأليف من أجل ابتكار لقاحات لمجابهة فيروس كورونا يستفيد منها العالم أجمع؛ بحيث يُشكِّل الإنتاج الفكري والإبداعي المُعلن عنه بحد ذاته باكورة لمزيد من الابتكارات التي قد تُعوِّل على المعلومات التي تم نشرها من قِبل المبدعين والمبتكرين من أجل ابتكار لقاحات أكثر فاعلية. وهكذا معلومات قد يتم بثها في برامج وثائقية عبر هيئات البث الإذاعي والتلفزيوني والتي يتم مكافأتها أيضاً بمنحها مدة حماية لبرامجها لفترة من الزمن، وهذا ما يُحفِّزها على القيام ببث أو إنتاج برامج يستفيد منها الجمهور. فالحفاظ على الحقوق الفكرية للمبدعين والمبتكرين، وتوفير الحافز لمزيد من الإبداعات الفكرية أمثلة للمسوغات التي أدت إلى استحداث أنظمة خاصة لحماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية، والتي تُمثِّل بحد ذاتها أيضاً أداة ردع ضد كل من تسوِّل له نفسه الاعتداء على الحقوق الفكرية والإبداعية للآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى