خلافات زوجية
بقلم/ د. يوسف الشريف
يجب علينا إدراك أن الخلافات بين الزوجين أمرٌ لابد منه في أي علاقة زوجية، إذ إن وجود الخلافات هو ليس بالشيء الشاذ ولا ينم عن فشل العلاقة الزوجية، لكنه يدل على الحاجة الماسة للتفاهم ومعرفة موطن الخلل كي يتمكن الطرفان من معالجته، البعض يرتكب خطأً فادحاً ويقوم بتجاهل تلك الخلافات أو حتى الهروب منها، وهذا أمرٌ غير مقبول تماماً؛ لأن ارتكاب مثل هذه التصرفات سيؤدي بالعلاقة إلى طريق الهاوية ويرسم لها نهاية لا مفر منها.
لا أخفي عليكم أمراً؛ نحن نعيش اليوم في مجتمعٍ تطغى عليه صفة السرعة بشكلٍ كبير، سرعة التواصل، سرعة العمل، سرعة الإنتاج الواهي، سرعة النقاش، والنقطة الأخيرة لا تتناسب مع صفة السرعة، بل على العكس تماماً إذا ما ألصقنا صفة السرعة باستراتيجية النقاش كي نخلق مفهوماً جديداً، ستحدث مصيبة في جميع فئات المجتمع بمختلف تصنيفهم، خصوصاً المتزوجين منهم!
ولعل هذه النقطة هي موضع الألم، حيث إن أغلب الأزواج يتهربون ويتفادون النقاش والمواجهة، وغالباً ما يتركون الأمور كما هي دون التفكير بأن مثل هذا الأمر من شأنه أن يُسَبب فتوراً ويخلق فراغاً وفجوةً بينهم، ومن الضروري في أي علاقة زوجية أن نقوم بوضع نقطة يعود إليها الاثنان حتى وإن كانا في أسوأ مراحل الخلاف وأقصاها، بعيداً عن الكبرياء، بعيداً عن التكاليف، بعيداً عمّن فيهما على حقٍ، والأهم بعيداً عن الشكليات.
لا شك أن مسؤوليات الحياة كثيرة جداً، جميعنا يعيش في زيفٍ مجتمعي، وبشكلٍ أو بآخر نحن مرغمون على الانخراط فيه وتحمل بروتوكولات معينة ومجاملات اجتماعية، وها نحن في وسط هذا الزحام نسأل؛ أين المخرج من كل ذلك؟ بكل بساطة شريك الحياة هو المخرج، بعضكم سيسألني كيف؟ والزواج مسؤولية كبيرة تصحبه التزامات الأطفال والمنزل وغيرها الكثير!
دعوني أخبركم أنه متى ما كانت العلاقة الزوجية علاقة صحية قائمة على الرحمة، قائمة على المودة، قائمة على الاحتواء، ستكون المهرب والمخرج من جميع مآسي وتكاليف الحياة المصطنعة، بل ستكون الملجأ الآمن لكل من الطرفين كي يستعيدا قواهما ويخرجا إلى الحياة من جديد.
صدقّوني وأنا أؤمن بقدرٍ كبيرٍ أن الزواج لم يكن يوماً حالة اجتماعية من شأنها أن تزيدك هماً، على العكس تماماً فإن الزواج هو وسيلة من وسائل الرحمن لتهدئة النفس من شتات الحياة، واستشهد هنا في تلك النقطة بقول الحق، تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
وبالفعل وجب علينا التفكر والوقوف قليلاً عند تلك الآية الكريمة، فلا يجب علينا معاملة الزواج على أنه صفقة تقوم على القوة والكبرياء ومن له حصة الأسد في السيطرة على الحياة الزوجية، هذا أمرٌ مضحكٌ بحق، فلا يوجد طرف قوي وطرف ضعيف في العلاقات الزوجية، ولا توجد حرب قائمة بين الطرفين، فعندما يقرر المرء أن يتزوج، لا يتم منحه كتيّباً يحتوي على طريقة معاملة الطرف الآخر، لأنه لا يوجد كتيّب كهذا في الواقع ولا توجد استراتيجية أو أسلوب متبع، فعندما يرتبط الشخص، ترتبط فطرته بفطرة شخصٍ آخر وروحه بروح شخص آخر ليشكلا كياناً واحداً، كياناً قوياً يقوم على الدعم العاطفي، لذلك وجب دائماً إبعاد ما يسمى بالكبرياء عن أي علاقة، فعندما يحدث خلاف، لا يوجد مانع أن تكون من يبادر بالصلح، إذ علينا التذكر أنه لا توجد معركة هنا فجميع الأطراف يرفعون الراية البيضاء بهدف العيش بسلامٍ، وتأكدوا متى ما كانت العلاقة يحوفها كبرياءٌ ويكون أساسها مبنياً على الكماليات المادية دون العاطفية، تكون علاقة من الممكن أن نطلق عليها أي مصطلح إلا «الزواج»، فما قدّسه الدين لا يجب تدنيسه ببدعٍ مجتمعيةٍ، تذكروا ذلك دائماً ولا تسمحوا لتطورات الحياة أن تقوم بتحوير مبادئكم.
«الزواج لم يكن يوماً حالة اجتماعية من شأنها أن تزيدك هماً، بل هو وسيلة من وسائل الرحمن لتهدئة النفس من شتات الحياة».