خلفان حارس المدرسة السعيدية (وجوه من بلدتي مطرح )

د حسن الموسوي
الزمان – الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين المكان – المدرسة السعيدية في مطرح من هو خلفانخلفان كان حارساً وفي آن واحد عامل نظافه في المدرسة السعيدية في مطرح . هو من إحدى حارات مطرح التي لم أخض في التعرف والتتبع على تفاصيلها . كان في أول سنين الكهولة ؛ نشيطاً في العمل لم أعهد في زمانه رجالاً في عمره في مثل حيويته ونشاطه . عندما كنًا ندخل المدرسة في كل صباح كانت ساحة المدرسة الترابية نظيفةً ؛ وحالها كانت الصفوف وكل ما فيها من الطاولات والمقاعد والكراسي والسبورة السوداء التي كلها كان لها بريقاً لامعاً . واذا ما دخلت غرفة المدير والمدرسين تشاهد ترتدي نفس الثوب الجميل من النظافة وتكون في المظهر اللائق الأنيق . …. بناء المدرسةكانت عدد الصفوف في عام ١٩٥٩ فقط الصف الأول الابتدائي والثاني ؛ وفي كل سنه كان يزيد الصف على الصفوف الموجودة حتى بلغت ستة صفوف وكانت هي الفاصل . كنت أنا في الصف الأول بعد إكمالي الصف التمهيدي في بيت في حارة الشمال . كان بناء المدرسة الإبتدائية طابقاً واحداً فيه الصف الأول الابتدائي والثاني ؛ في عام ١٩٦٠ بدأ العمل في بناء الطابق الأول وصارت فيها ستة صفوف ؛ كانت هي المدرسة الوحيدة كلها في طول وعرض البلدة . كانت المدرسة تضم كل شرائح المجتمع في مطرح من الفقير والغني : من أبناء تاول والحاج علي عبداللطيف وخنجي وسيد عالم وجعفر حسن والخنجري وغلام وسعيد وشمبيه ومال الله والكثيرون غيرهممجاورة المدرسة لبيتنا كانت السكة التي لا تتجاوز مترا واحداً في عرضها تفصل بين بيتنا والمدرسة من جهة ومن جهةٍ أخرى بيت عبدالنبي ؛ وثم في بقية الأجزاء كانت توجد ساحة كبيرة تفصل المدرسة والبرنديل وما يعرف اليوم بببت البرندة . حيث أصبح هذا التقارب الشديد بين بيتنا والمدرسة وكأن البيت والمدرسة جزء واحد لا إنفصام بينهما . كان للمدرسة مدخل واحد لا يتجاوز عرضه مترا ونصف من جهة فندق النسيم اليوم ؛ من هنا كان يوجد سلّم صغير ذي ثلاث درجات تنزل إلى ساحة المدرسة الفسيحة . طابور الصباح والفسحة كان خلفان بيده كل مفاتيح المدرسة من غرفة المدير وغرفة المدرسين والباب الرئيس . كان يقوم في كل صبيحة بفتح باب المدرسة ويتوافد التلاميذ الى ساحة المدرسة جمعاً وفراداً وهم في ثياب نظيفة جداً . قبل السابعة كنّا نصطف كل صف في صفين ويبدأ الطابور برفع العلم الأحمر ثم نقوم بقراءة النشيد الوطني وكانت اول الكلمات :يا ربنا أحفظ لنا سلطاننا سعيد سعيد بالتأييد العز المجيد ثم يبدأ المدرس بتفتيش كل طالب في الصف ناظراً إلى أظفاره وثوبه وقص شعره ؛ وإذا وجد أحداً غير لائق المنظر والهيئة ؛ وخاصة من كان أشعث الشعر فعلى الفور يأمره بالذهاب إلى الحلاق ثم بعد ذلك يسمح له بالدخول . عند الإنتهاء من الطابور الصباحي يقفل خلفان الباب ويفتحه ثانيةً في الفسحة وكانت لنا فسحة واحدة فقط . بيتنا مفتوح الباب عندما تبدأ الفسحة يهرع التلاميذ إلى ساحة البرنديل حيث يجلسن البائعات أمام صواني عليها من مختلف أنواع الطعام مثل باكوره ؛ لولا ؛ دنكو ؛ شربت راسبيلي ؛ نبق ؛ صبار ؛ بيدام ؛ رطب وسح وغيرها الكثير . وكانت مجموعات كبيرة أخرى تتوافد على بيتنا فيأخذون حاجتهم من الماء البارد من الحِب والجحلة المعلقة . كان والدي يجلس في غرفته ذات النافذتين والمطلة على الساحة ويراقب المشهد بينما هو مشغول جالس على حصير وعلى يساره سحارته فيها الكثير من كتبه ؛ وبيمينه يكون مشغولاً بالكتابة مرة والقراءة أخرى . بينما الوالدة مع صديقاتها يكنّ أقرب لحوش البيت وهن يراقبن الأطفال وتراهنّ سعداء جدا بما يحدث . ان هذا المشهد الجميل كان يتكرر كل يوم على مدار العام حتى تأتي إجازة الصيف فيعود الهدوء إلى المدرسة والساحة والبيت .بعد انتهاء الفسحة يكون خلفان مشمراً بذراعيه عند بوابة المدرسة ينتظر دخول أخر تلميذ إلى الساحة ثم يقوم بعدها بقفل الباب . لكن يصادف أحيانا إن بعض التلاميذ يكونوا قد تأخروا في الدخول وعندما يجدون الباب مؤصدا تماما ؛ يحاولون الدخول ويقحمون من على الجدار وخلفان حينها يتربد وجهه ويضطرب ويتعالى عليهم صوته : روحوا المدير رمزي قال قفّل الباب ….لكن كبار التلاميذ لا يستطيع خلفان صدّهم ويصلون إلى الصفوف بأي ثمن كان ؛ أما الصغار منهم الذين تجمع منهم عدد صغير عند الباب فلا يجد خلفان البأس في فتح الباب لهم …سوالف عن أوراق الإمتحانات لقد نشأت علاقة صداقة قوية بين أفراد الطرفين ؛ كان خلفان الطرف الأول والطرف الأخر تلاميذ الصف السادس . هذه العلاقة التي كانت بدايتها بداية تأسيس المدرسة إلى أن كبروا التلاميذ وصاروا تلاميذ الصف السادس . إذ تجرأ بعض هؤلاء التلاميذ بالإتفاق مع خلفان على سحب أوراق الإمتحانات النهائيّة مقابل مبلغ زهيد . كانت فرحة هؤلاء التلاميذ لا توصف بل لم يصدقوا أبداً . عندما أحضر خلفان عند وقت الأصيل جميع أوراق مواد الإمتحانات . وفي لحظات تم لهم نسخ الأوراق كلّها وثم تم إرجاعها إلى خلفان . حيرة المدير رمزي في الصباح الباكر عندما حضر المدير في مكتبه وجد أن أوراق درج الطاولة ليست كما هي عليها بالأمس . فأثار ذلك شكاً في نفس المدير ؛ الذي إستدعى خلفان ولكن خلفان إستنكر الأمر وإستطاع أن يلفق له شيئاً من كلام ؛ الذي إقتنع به المدير . هكذا فرح المتخلفون في الصف بالدرجات العالية من نتيجة الاختبار . لكن حيرة رمزي والمدرسين كانت ترسم خطوطها على قسمات وجوههم ؛ لكن لم يكن من السهل عليهم فعل شيء….. هذه بعض من شذرات سريعة عن خلفان الحارس وعامل نظافه الذي كان لي معه ذكريات جميلة جدا لا يمكن تجاوزها عن بقية الذكريات في فصول أعمارنا المختلفة ….أخيراً وقفة شكر اللهم بحق هذا اليوم العظيم الذي جعلته للمسلمين عيداً نسألك أن تجعل منارة علمنا الأولى ذخراً ومزيداً والتي أخرجت منها أبناء الوطن المخلصون ؛ والخدّام اليوم لأرض سقتنا من حليبها ولحمنا إلى هذا اليوم المبارك….هذه المنارة الأولي التي لنا في أركانها ذكريات رائعة ومازالت تسكن قلوبنا جميعا . في هذه السطور لا بد من تقديم خالص الشكر والتقدير إلى كل من خلفان حارس المدرسة السعيدية في مطرح الذي كان له الفضل في إضافة وجه جميل إلى جغرافية كامل المدرسة . ثم الشكر والتقدير الكبيرين لجميع المدرسين وقامتهم رمزي مصطفى وأخيه عوني الذي كان جيفارا لنا ….د حسن الموسوي ٩ ذو الحجة ١٤٤٥١٦ يونيو ٢٠٢٤





