سلسلة نوادر البخلاء والظرفاء وأولى الألباب في مطرح وأطرافها

الزمان – الخمسينيات والستينيات من القرن ٢٠ ؛ وشئ من هذا الزمان المكان – مطرح وأطرافها بقلم / د حسن الموسوي كاتب وباحث عماني

*توطئة* هذه بعض من نماذج المجتمع المدني في مطرح في زماننا قبل خمسة عقود وأكثر ؛ وبعضها هي في هذا الزمان الذي ما زلنا فيه ؛ وأخترت هذه لأسلط عليها الضوء دون غيرهم . كل أنموذج يمثل الإنسان بكل ما فيه من الشعور والانتماء بذاته وبما يحيطه من بشر وحجر وشجر وماله وما عليه من خير أو شر أم منفعة من الموجود الذي هو في الوجود وهو فيه العنصر الأساس . هي شخصيات حقيقية ولكن بأسماء وألقاب مختلفة ؛ وكل يوم سأسلط الضوء على واحدة من هذه الشخصيات ؛ وعسى أن تكون هذه السطور عنهم تنال إستحسانكم ….. الحلقة الاولى *غضنفر رث الثياب *كان له دكان في سوق مطرح يبيع فيها كل أنواع أواني الخزف من الأكواب والجحال والحِب والخرس . وما للزراعة من أدوات من حابول ومنجور . كذلك الرحى ومحماس ؛ ومن جلود الغنم والضب القرب الجلدية من سعن وعكه ؛ وجميع أدوات الخرز من خراز والمجداب وخيوط الجلود ؛ وشحم الحوت ؛ والصواني والصفاري من أحجام وأشكال مختلفة وغيرها الكثير….كان هذا المحل يدر عليه المال الوفير الذي لم يكن يدر على أصحاب المحلات الأخرى . رغم ما كان عنده من مال وفير وبيت في موقع جميل وزوجة صالحة جميلة ؛ ألا إنه كان لا يولي اهتماما لا لثيابه ولا لمظهره . كانت دشداشته رثةً وسخة وعليها بعض من سواد الغبار المتراكم منذ فترة . أما لحيته وشعره فهما ليس في أحسن حال من الدشداشة . كانت تفوح منه رائحة العرق الكريهة خاصة في أيام الصيف وتصيب القادم من بعيد إلى محله .وغداة كل جمعه إذا ذهب إلى المحل أعدت له زوجته من الطعام الذي تميل إليه النفس . فتضع له في المنديل بيضاً واحداً مفوحاً وقطعة جبن أبيض وسمكاً مالحاً ورغيفا واحداً وكامكاً . وإذا وصل إلى المحل بسط بين يديه المنديل على الحصير وهو عندها يبدأ بالبيض وبشئ من الرغيف ثم يتناول شربة ماء واذا مرّ عليه أحد لا يرد على السلام حتى يأتي على الأكل كله ؛ وهو عند ذلك يكون في حالة مطلقة من الإنبساط والسعة من المزاج والمزاح . وإذا مرّ عليه زبون يرد عليه بأحسن منه ويقول : عافاك الله هلّم إلى فال فال …. سأله مرّة أحدٌ من أصحابه :غضنفر بسك الدشداشة هذه …قال له : ليش أيش فيها ؟ خلاص صارت سوده وفيها ريحة ….. فكّر غضنفر قليلاً ثم قال :إذا غسلت الدشداشة يحتاج لها صابون وصابون لازم يريد ماء كثير والوسخ ما يزول إلاّ بالدلك الشديد والحجيه ما فيها شدّه . أنا في بيتي ما عندي غير جحلة واحدة ما تكفي عيالي بس حال الشرب وحال بابلو ومرق وعيش . زين خلّي الخرس بدل الجحله ؟الماء غالي ومن طويان إذا جاب الساقي يحتاج قربتين وإنت تعرف أمور غيرها ما لازم أخبرك ….عندها ضحك صاحبه وقال في نفسه :سألته عن دشداشة وسوّى لي ألف ليله وليله ….د حسن الموسوي ١٢ ذو الحجة ١٤٤٥٢٠ يونيو ٢٠٢٤

زر الذهاب إلى الأعلى