سلسلة نوادر البخلاء والظرفاء وأولي الألباب في مطرح وأطرافها (3)

أبو شاكر وسالفة المرق
بقلم الدكتور حسن الموسوي
كاتب وباحث عماني
الزمان – الخمسينيات والستينيات من القرن ٢٠ ؛ وشئ من هذا الزمان
المكان – مطرح وأطرافها
توطئة : كان كثير الطرافة وكانت عنده الكثير من السوالف الشيقة فيها الهزء والسخرية الهادفة التي تشدك إليها إذا ما إبتدأ بها ؛ فيحلل النفس البشرية وما فيها من النزعات . كانت رمساته دروس في التربية النفسية والاجتماعية عندما لم يكن في مطرح شئ إسمه طبيب نفسي . كانت ليلة بدر التمام أكثر ما تروق له الجلوس والسهر إلى أن يدركنا العسس وينهر الجمع ؛ ثم لا نروم بعد ذلك الجلوس وفي قلوبنا من الخوف والقلق من أحد خلفه يمسكنا ؛ ونتفرق شيعاً ويميل كل واحد إلى بيته ؛ وأما غيرها من الليالي فتكون أقل له دفعاً وشوقاً
كان أبو شاكر ظريف الحديث وقد سمعت من طرف لسانه شيئا من طرائف الكلام الكثير . هذا ما سمعت على لسانه ونحن سامرون في ليلة من ليالي بدر التمام على شاطئ رمل مطرح وقدّام بيت المرحوم الحاج جعفر حسن .
بدأت الرمسة من بداياتها قال ابو شاكر :
نشاء صافي في بيت من دعن ونشأت صافية في بيت مطل على البحر وفيه روشن . كانت أم صافي تعمل خادمة في بيت أهل صافية وكانت تصحبه وهو في المهد معها . كان يلعب معها ويمرح دون قيد وإن أصابهما سأم إنطلقا إلى الساحل وشاركا بقية الأطفال المرح واللعب حتى مغيب الشمس . تلاشت من العمر عدداً من السنين . ظهرت للصافي الفتوة في تفاصيل جسده وصافية ترسم الأيام في كل يوم في جسدها رسماً عجيباً . وأخذ الأخر ينجذب إلى الطرف الآخر وتوطدت العلاقة بين الطرفين .
عندما أكمل صافي المدرسة السعيدية تكفل أحد أهل الخير لإكمال دراسته في الخارج ؛ بعد أن أخذ موثقاً من الفتاة بأنه يعود إليها .
عندما حل الصيف كانت السعادة بلغت به كل المدى . قبل يوم من السفر وبينما هو يشد حقيبة السفر أتاه صديق له في الدراسه يحمل إليه خبراً بعقد قران صافية بأحد أولاد الأثرياء . إنزوى في الركن وبكى بكاءا شديداً وزميله لا يعرف من الأمر شيئاً البتة .
ويسرد أبو شاكر ما جرى بعد ذلك لصافي وكأن كل شئ بدأ لصافي من جديد مع صافية ….
قال لنا : إن شخصاً فقيراً أحب إمرأة متزوجةً وكان لا يعرف كيف يصل إليها ولم يكن يعرف إن المرأة هذه هي نفسها صافيه ؛ بينما صافية تعرفه ولا تبصر نفسها له . كان يجلس على دكة دارها عندما يكون زوجها قد خرج إلى العمل وفي يده المله .
ويصيح إذا ما فاحت رائحة مرق اللحم لعله ينال من اللحم مراده وتصل لقمة من ذلك اللحم إلى كرشه :
أصيبنا من اللحم فإن الجوع قد أتى وقته ….
عندما تسمع المرأة الصوت تقول لولدها الصغير :
روح قل له ما عندنا شئ نطعمك .
لكن الصاحب يضل معتكفاً على الدكة ويردد :
إذا ما شئ لحم أعطونا من المرق شيئا ….
نعم تعرف صافيه ما يكن لها هذا الشخص من الشعور ؛ وتقول لولدها :
إذهب إليه وجيب المله .
يمتلأ قلب الرجل السرور وهو ينظر إلى ملّة المرق نظرات لا تفارق ثم يشمها كما يشم المحروم من شئ نفيس ويصيح :
إذا لم يكن لنا نصيب من اللحم ففي هذا المرق فيه الكفاية .
هكذا يكون قد نال المسكين ما جادت عليه هذه المرأة المجهولة التي لا تستطيع أن تصدّه ؛ فهو رفيق طفولتها وصباها ؛ لكن الأقدار جرت عليهما بما لا تشتهي النفوس .
وها هو يطوف بين البحر مرةً وكرةً اخرى إلى الدكة مثل قاطع طريق ؛ بعد أن أسرع الداء العياء فيه ولا أنيس له إلاّ هذه الدكة والصافية التي لا يستطيع بأي حال الوصل معها ولا هي تستطيع البوح بشئ ….
هذه الحادثة تذكرنا بالحديث الشريف :
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا طبختم لحماً فيزيدوا في الماء ؛ فإن لم يصب أحدكم لحماً ؛ أصاب مرقاً .
هكذا قضت الأقدار على صافي فلم أراه منذ زمن ولا أعلم ما جرى عليه من المسألة ؛ أما صافية فصار لها عيال وقصر مشيد وترف وزخرف الحياة ونعيماً كثيرا …..





