أوراق الخريف.. مجلس التعاون.. التكامل والوحدة!

د. أحمد بن سالم باتميرا
في الخامس والعشرين من مايو عام 1981م، تأسس مجلس التعاون، وبالأمس القريب احتفلنا بالذكرى الثانية والأربعين لهذا المجلس الذي نتطلع أن يكون حصنًا قويًا لدول المجلس ورافدًا لمواطنيه للوصول إلى المزيد من التكامل والترابط في مختلف مجالات العمل الخليجي المشترك.
ونحن اليوم نرى في هذه المنظومة المتجانسة ـ بغض النظر عما يُقال منذ تأسيسه ـ أنه قد تحققت بمرور الوقت الكثير من الإنجازات والتنسيق والتعاون والتكامل ما بين دوله الست في مختلف المجالات، السياسية منها والاقتصادية والدفاعية وغيرها.
وما يثلج الصدر بالفعل هو بقاء هذا المجلس في الانعقاد المستمر رغم كل التحديات والأزمات والإشكاليات التي حدثت لدول المنطقة والعالم، وزاد من تمسك هذه الدول بالمنظومة وقناعتها بأهميتها ودورها المأمول بأن هذا المجلس هو الوعاء الحقيقي لنموها وتحقيق تطلعات شعوبها من مسقط إلى الكويت!
والكونفدرالية الخليجية ستأتي يومًا، بعد أن تحقق الدول تكاملها ورؤيتها، وتكون هناك شراكات حقيقية واقعية ومدروسة بعد تنسيق المواقف والسياسات والتشريعات الاقتصادية والمالية والدفاعية، لتعزيز قوتها الاقتصادية والأمنية وتكون كتلة قوية يُشار لها بالبنان جميعًا كدول ونمور قوية تستطيع الوفاء باحتياجاتها من الألف إلى الياء، والتصدي للأطماع والتهديدات المحيطة بها من كل حدب وصوب!
لذلك فإن مجلس التعاون الخليجي، للوصول لهذا المستوى، عليه أن يُثبّت أقدامه ويؤكد مكانته بفضل تضامنه وتكامله، ككتلة استراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية يُعمل لها ألف حساب. فالفكرة كانت رائعة، والمحافظة عليها ونموها يحتاجان إلى رؤية جديدة للمجلس، كما فعل السفير عبدالله يعقوب بشارة يوم استطاع كأمين عام، وفي ظروف غير عادية، أن يهتم بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعمل اليومي بالمجلس، وقاد السفينة بحنكته مع المؤسسين العظماء إلى بر الأمان.
واليوم، فإن السفينة والدول الست في حاجة إلى بنية موحدة قوية تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين، وصولًا إلى وحدتها لاحقًا، خاصة وأن السمات المشتركة المتشابهة تساعد على ذلك، وأن التعاون فيما بينها يخدم الأهداف السامية لها جميعًا كدول شقيقة تربطها أواصر القُربى والدين واللغة والجوار، بدلًا من إنفاق المليارات في دول أخرى!
لقد مضى على تأسيس المجلس أكثر من 42 عامًا، إلا أن تلك الطموحات والأهداف ما زالت بعيدة نوعًا ما، استنادًا إلى ما حققه المجلس من إنجازات على كل الأصعدة في الفترة الماضية. ولتعزيز فاعلية المجلس، يتطلب الأمر النظر بواقعية إلى الأفكار النيرة لبعض الباحثين والكتاب والخبراء، وشخصيًا ـ ومن خبرة طويلة ومتابعة لقمم المجلس ودهاليزه ـ أعتقد أن المجلس يحتاج إلى بناء اقتصاد داخلي قوي، متنوع، استثماري، وصحي وغذائي، كما فعلت عمان والكويت في إنشاء مصفاة في الدقم، وإذا كانت دول المجلس لديها الجدية في إقامة الاتحاد الخليجي، فعليها القيام بتلك الخطوات قبل أن تُصدعوا رؤوسنا بالشعارات الوحدوية وغيرها!
فالعمل يتطلب توثيق الروابط بين الشعوب الخليجية، ووضع أنظمة متماثلة في الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات وغيرها، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني، وإقامة مشروعات مشتركة، وتوظيف الباحثين عن عمل كمواطنين، وتشجيع تعاون القطاع الخاص وتسهيل الأمر له، وتحقيق الازدهار والتنمية والرفاه لشعوب المجلس من خلال وضع الإمكانيات والموارد الاقتصادية والبشرية في خدمة شعوبها.
فهذا المجلس، الذي يُعد من أنجح التكتلات الإقليمية والدولية، يحتاج إلى رؤية جديدة لتحقيق الازدهار وخلق فرص عمل كبيرة للجيل القادم بطرق حديثة، خاصة وأننا نمر بظروف بالغة التعقيد، ولتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة لدولنا، علينا العمل في شراكة استراتيجية واحدة مع بعضنا البعض، وتعزيزها والاستفادة منها في كل المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية والاجتماعية.
لذا نأمل لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يقف بشكل موضوعي حول مستقبله ودوره القادم، والاستفادة من تجارب الآخرين. وذكرى التأسيس تمثل حدثًا مهمًا، تجعلنا نستذكر أن التاريخ والجغرافيا يجمعان بين دولنا، والتكامل ضرورة ملحة تدعمها مختلف القواسم المشتركة بيننا، وسيكون لتعزيز التعاون انعكاسات إيجابية على التنمية ورفاه الشعوب، وعلى الأمن والاستقرار. وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤى استراتيجية مشتركة من قبل صناع القرار لتحقيق التكامل والتجانس بيننا والاستفادة من مقوماتنا أولًا، ثم الوصول للوحدة.
والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي عماني
batamira@hotmail.com