ذات صدفة في “مكتبة دار الحكمة” مع جبل الكور

حمود بن سالم السيابي
جئتُ مكتبة “دار الحكمة” في لندن أبحث عن عنوان يتنفَّس الحرية فوجدتُ أحد مناضلي الحرية عند مدخل المكتبة فتعطَّلتْ الحاجة لحمل شعلة تطوف العالم.
وسألني الأستاذ حازم السامرائي أمين “دار الحكمة” عن عناويني التي أُفتِّشُ عنها فتَمْتَمْتُ في داخلي : أيَّة عناوين صامتة تستحق القراءة في حضور التاريخ العماني الناطق؟.
جلسْتُ بجوار “الكور” أطالع عُلوَّ الجبل حين نَشْرَئِبُّ إليه من السَّفْح.
كان الشيخ محمود بن زاهر الهنائي مفْعَماً بالحيوية رغم خذلان الأرجل فالفرح الكبير يبني أبداناً شابة.
وكانت الذاكرة حديدية رغم السنين ، فالعقول التي تساهم في صياغة التاريخ لا تضيق بتزاحم أطنان من الملفات.
جاء أبو محمَّد إلى عاصمة الضَّباب ليحضر حفل تخرُّج كريمته من جامعة دولة شكَّلَتْ ذات زمن خصومةً تاريخية ومع ذلك ظّلتْ صروح التعليم خارج احترابات السياسة.
تحدَّثْنا في كل شيئ سمحَ به وقت الانتظار في دار الحكمة .. من سماواتنا الزرقاء الصافية إلى سماوات لندن الرمادية.
ومن المطر الذي تتناقله “الجروبات العمانية” إلى ٨٨ شارع “شولتون” حيث تشمخ دار الحكمة وقد ضرب الشارع موعداً مع المطر.
كانت أرفف دار الحكمة صامتة رغم حيوية العناوين ، وشارع “شولتون” تمخره زرافات العائدين من صلاة الجمعة في الجامع الكبير وغيره من مساجد جنوب غرب لندن وقد اتشحوا بسجادات الصلاة على المناكب.
جاء من يخبر الشيخ أن تطبيق “أوبر” ينتظره بسيارته ليأخذه لمقر إقامته فتأبَّطَ الشيخ محمود بن زاهر الهنائي كتاب “السلطان قابوس مؤسس النهضة العمانية الحديثة لمؤلِّفَيْه الأستاذ الدكتور زهير قاسم السامرائي والدكتور ميثاق فتاح خلف” والصادر عن دار الحكمة فتحرَّك جبل الكور ليسدَّ الشوارع الباردة ويزيد من كثافة الضباب.
بقيت مع ابن “سُرَّ منْ رَأى” الأستاذ حازم السامرائي نكظم الغيظ لقصر الوقت بجوار جبل الكور.
قَلَّبنا في عناوين جديد الدار وقديمها فودعتُ الأستاذ السامرائي بأمنية اللقاء في معرض مسقط للكتاب.
تربعتُ على الكرسي الخلفي للتاكسي السوداء القادمة من بذخ السنين الخوالي لتنساب في الشوارع الصاخبة فتتابعتْ لندن من المرايا باذخة كأمجاد العاصمة التي تحكم العالم ، وباردة كالهدوء الإنجليزي ، ومخاتلة كالدهاء الإنجليزي ، وماكرة كالسياسة الإنجليزية.
سرَّحْتُ لما بعْد بعْد بعْد المرايا حيث بريطانيا التي كانت تحكم الهند والجزء الأهم من العالم يبلغ بها الحال لأنْ يتحكم في مداخل ومخارج منافذها السيادية في “هيثرو” و”جتويك” وبقية المطارات والموانئ أبناء شبه القارة الهندية التي كانت تحتلهم وتسومهم سوء التنكيل والعذاب ، فها هو الزمن يثأر لهم اليوم ليأتمنهم في حمل أختام بريطانيا العظمى ليمْهروا جوازات سفر الداخلين والخارجين.
وليس ذلك فحسب بل يمكِّن أحد أبناء الباكستان وهو صادق خان ليجلس على كرسي عمدة لندن ويتحكم في مفاصل عاصمة الإمبراطورية العظمى .
كما تضع بريطانيا التي لم تعد عظمى ولا علمها لا تغيب عنه الشمس ، أزرارها النووية وقرارات السلم والحرب تحت إمرة “ريشي سوناك” المتحدِّر من الأصول الهندية.
ومن “شولتون” إلى “بيزووتر” كانت لندن تسودّ من مرايا السيارة السوداء لتمطر فأردد مع نزار قباني :
جئنا لأوروبا لكي
نستنشق الهواء
جئنا
لكي نعرف
ما ألوانها السماء.
—————————-
لندن في ٢١ يوليو ٢٠٢٣م.





