رحل الشيخ يحيى بن خالد المعولي و”بيت نطالة” لا يسير خلف النعوش

حمود السيابي

حمود بن سالم السيابي

صفحة معولية أخرى تُطْوى بوقائعها وسيوفها وملاحمها وخيولها فأحد شيوخ معولة بن شمس يسلم الختم والعهدة والبيرق والسارية.
وملحمة معولية موصولة بما سبق تُخْتَتَمْ ، فبلدة “أفي” وشقيقاتها تنزل مع شيخها في اللحد لتضاعف من أرصدتها في خزائن المجد.
ورغم الخسارات الفادحة التي يتركها الرحيل إلا أن لمعولة القادمة مع شمس العرب لها سجلها المشهود في الكبر على الجراح ، فهي وإنْ كانت على بعد دمعة من رحيل الشيخ صالح بن سعود المعولي إلا أن فروسيتها تلزمها لأن تصبر وتواسي نفسها فالكبار يتقاربون في المجيئ وفي الرحيل.
وأن تكليفها يملي عليها رتق جراحات الأكباد لتستقبل المعزِّين بجبين مرفوع.
وعبر تاريخها الطويل قدمت بادية معولة بن شمس نفسها بشكل مغاير ، فكلما انطوى بيرق معولي لا تنتكس سواري “بيت نطالة” وغيره من البيوت الشامخة بل تحافظ السواري على علوها لتشتهي البيارق تداول الشموخ.
وأن أماجد معولة يلتحمون بأديم الأرض لأجل أن يكبروا في اللحود.
ولأجل أن تتغير بهم طبوغراغرافية الأمكنة.
ولأن لكل شوط نهاية ، فقد ركض الشيخ يحيى بن خالد المعولي في مضامير إمامين وثلاثة سلاطين ، أفلا يحقّ لمثله بعد كل هذا السجل المذهب أن يريح الحصان ؟.
وفي الثالث والعشرين من ديسمبر عام ٢٠٢٢ م ضربنا موعدا مع بادية معولة بن شمس وأسرجنا الصهوات إلى ظل “بيت نطالة” لنزوره ونلتقيه هو والأشياخ.
ورغم وطأة المرض إلا أن ضحكته المجلجلة ظلت توارب الأنين الصامت للألم.
وكانت روحه الوثابة على العهد بها تتأنق بعنفوان الأصحاء.
يومها جلسنا معه كشيخ عائد من الميدان معفَّر بزعفران الركض وغبار الوقائع ، لا كمريض أثقله زَرَدُ الفراش.
وكانت سبلته -سبلة معولةبن شمس- في أوج أزمنتها.
والقهوة بذات النكهة.
والأحاديث بعنفوان القابض على الأعنَّة والممتشق الصولجان.
وخرجنا عنه وحمرة جدران “بيت نطالة” على حالها تطيل مساحة النهار رغم الساعات التي يباغتها صوت أذان المغرب.
وتحت قمر العشرين من صفر فاجأت “جروبات الواتسب” منتسبيها بالحديث عن فارس تلفَّع بردة بيضاء تليق بالوجه الباسم
وعن طبوغرافية حوزة استردت أطوالا وعروضا رسمتها حوافر خيوله وأخفاف نوقه.
وعن أن الشيخ يحيى بن خالد المعولي مشى هذه المرة فوق الأكتاف إلى حيث الأماجد الذين سبقوه.
ولكن ذات “الجروبات” تتحدث عن أن بيت نطاله على ثباته.
وأنه لا يسير خلف النعوش.
وأنه ما زال بجصه الأحمر المحصَّن من البكاء.
وأنه الصامد حتى الحصاة الأخيرة.
—————————
مسقط في السادس من سبتمبر ٢٠٢٣م.

زر الذهاب إلى الأعلى