الحرف اليدوية التقليدية في مطرح

الزمان – الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين

المكان – مطرح

صنعة الصفارين – ٢
عبيد الصفار

بقلم : د حسن الموسوي

توطئة:
هذه هي الحرفة الأخرى التي أتخذها الأنبياء لهم صنعة والتي جاء ذكرها في كتابه العزيز ….وجفان كالجواب وقدور راسيات …. لذا إخترت هذه والتي سبقتها من أولى كتاباتي عن الحرف اليدوية التقليدية.
إليكم الأن نبذة مختصرة عن صناعة الحرف اليدوية التقليدية في مطرح . سأتطرق هذه المرة عن صنعة الصفارين وعن كادح كان هو الوحيد الذي يعمل بهذه الحرفة في سوق مطرح . سأسلط الضوء كل مرة بواحدة من هذه الحرف والتي أغلبها إندثرت .
وأهم تلك الحرف اليدوية التقليدية في ذلك الزمان كانت هي كالتالي :

الحدادة أو نافخ الكير ✔️
صنعة الصفارين✔️
صنعة أواني الخزف
صنعة مشتقات الخوص
صنعة دبغ الجلود
صنعة صبغ الأقمشة
صنعة الصياغة
صنعة النجارة
صنعة الخياطة اليدوية وتنجيم الكميم

كان عبيد ؛ الصفّار الوحيد في عرض مطرح وطولها ؛ كان مثل بقية الناس في البلاد كتلة بدنه أقل من الطبيعي ؛ كان له محل صغير في السوق المجاور لسوق خور بمبا ؛ غالبا كنت أمر بجانب محله وأسمع طرقات المطارق وأرى رجلاً في أواسط عمره ؛ ملامحه سودانية ووجهه فيه الكثير من الهيبة وعيناه لها بريق ساطع .
كان في زماني العم عبيد له ولدان لا أتذكر إلاّ إسم مال الله وهو أكبر اولاده ؛ الذي كان لي صديقاً مخلصا ؛ مرحاً ؛ وذو دعابة شديدة .

التعريف بالمحل
مثل أغلب المحلات في مطرح في تلك الفترة من الزمن كان محل العم عبيد صغيرا لا يتجاوز طوله مترين ونصف إلى عرض لا يزيد عن متر ونصف . كانت تملأ جوف المحل صفائح النحاس والأواني من قدور الطبخ والصواني ومغاريف والملاليس وأباريق الشاى في أحجام وأشكال كثيرة ومختلفة . وفي زاوية أخرى من المحل تجد المطارق المختلفة في الحجم والمقص وموقد الغاز (ونسميه قديماً البرموس) تكون إمّا معلقة وعلى رفوف أو على الأرض مبعثرة .

بانوراما تعريفيّة عن يوم العمل
بين زحمة أدوات المحل كان العم عبيد يجلس في وسط إزدحام كل هذه الأدوات النحاسية . اول ما يبدأ به العمل هو أن يأخذ صفيحةٌ من الصُفر ؛ يقصها بحذر بمقص حديدي متين وحاد شفرتيه حسب الأنية المطلوبة منه . بعد التقطيع إلى الأجزاء اللازمة يقوم بجمع قطعة بعد قطعة .
بعد تجهيز كل هذه القطع يقوم بخلط مزيج من مسحوق النشادر والرصاص في ملّة من النحاس على موقد الغاز ويحركها حتى يتحول إلى خليط سائل متجانس وعندما يبرد قليلاً ؛ يصب في كل مرّة قليلا من مزيج العجينة الجاهزة في مقمشة ويوضعها بحذر شديد في مكان إلتحام القطع واحده تلو الأخرى حتى تكتمل أخيراً عملية اللحام . ثم تأتي المرحلة التالية بعد أن يجف المزيج يقوم بالمسحل الحاد بسحل جميع الأجزاء المتشابكة ؛ والطرق تارة أخرى ؛ وأخيرا يقوم بالتنظيف بقطع من الخرقة حتى يبدو فيه اللمعان كما يجب . للتأكد من أن الأنية ليس بها عيب يقوم بتمرير الأصابع مراراً حول الحواف وأماكن الإلتحام حتى يأتي على سطح الإناء كاملاً ؛ بعد وقت طويل أو قصير حسب حجم الإناء يظهر أخيراً شكل الأواني النحاسية أكان من إبريق شاى أو مرجل وصفاري مختلفة الحجم والشكل .

أخيراً

طوبى لكل كادح في هذه الأرض الطيبة وبالخصوص هذا العبد المكافح ؛ الذي نحن بصدد ذكره والذي سقى بعرق جبينه الحياة الشاقة ليعيش هو وأسرته معيشة كريمة سعيدة . في هذا المقام وجب منّا له خالص التقدير والثناء .

زر الذهاب إلى الأعلى