رحيل رجل المروءات والكرم الشيخ أحمد بن محمد السَّالمي

د. محسن بن حمود الكندي

في مَشهدٍ فارقٍ عاشته الأوساط المجتمعية في عُمان مساء أمس الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى من عام 1446هـ، الموافق للثالث عشر من نوفمبر من عام 2024م..مشهدٍ جنائزيٍّ حزين؛ فقدت عُمان فيه شخصية مجتمعية مؤثرة.. إنها شخصية الشيخ أحمد بن محمد بن عبدالله بن نورالدين السَّالمي.. ويظل إثر هذا المشهد ناقصًا ما لم يوثق، وقد حملنا الواجب لملمة بعض أطرافه إنطلاقا ممّا نعرفُ تأديةً لأمانة التاريخ، وحق العلم والمعرفة والأجيال وها هو قلمنا يحاول نقل تفاصيل الحدث، ورسم ظلال الصورة الأليمة بمكوناتها وجميع ظلالها وخطوطها الدقيقة.. إنها صورة شخصية كارزمية شاهدة على العصر، وعلى الحدث التاريخي العُماني المتعلق بمناخات عديدة، ولعلنا نقدّم خدمة لمن أراد أن يستجلي الشخصيات العُمانية الفاعلة كتابة وتوثيقًا.

فلَستُ شاعرًا فأرثيه، ولَستُ أديبًا فأندبه، لا أملكُ عباءةَ الواعظ، ولا محبَرةَ المُعلم، ولا حكمةَ الفيلسوف ” ولكنني أحبو في سُلّم الكتابة لأكملَ مسيرةَ الخطوط، وأمحو مدادَ الكلمات بعد أن شُرّفتَ بالكتابة عن والده عالي المقام أبي بشير محمد بن نورالدين السَّالمي، فلمثلهما تقفُ كلمات التأبين عاجزةً دون أن تَفي حقيهما، ولمثلهما يبقى القلمُ في حيرة عمّا يكتبُ عنهما، وماذا سيكتبُ؟! فالعقودُ التسعة والنصف التي عاشها المغفور له- بإذن الله تعالى- الشيخ الجليل أحمد بن محمد السَّالمي حُبلى بالمتغيرات حافلة بالتحولات ممتلئة بالمشاهد، عامرة بالمواقف، والمفاصل، تاريخهُ الشخصي وتاريخ الوطن وجهان لعملة واحدة، فالرَّجلُ عصا والده شيبة الحمد أبي بشير وعضده، كان لا يتحرك إلا به وبأخيه أبي داؤود سليمان منذ الأحداث الأولى، والأسفار البعيدة حتى أن ألقى عصاه في مناخات بدية الباذخة، عبر “برزات” ومجالس مجتمعية غدَت من علو صيتها علامة بارزةً من علامات المكان الجغرافي للمنطقة، كان الشيخ أحمد السّالمي، أو كما يحلو للبعض أن يناديه بأبي أنور أيقونة الحياة الآسرة لأسرته العريقة وللمجتمع العُماني كله؛ لا تحلو (البرزة) الاعتيادية إلا به، هو محرّكها ومشكلها ومعدُّ برنامجها بل وراوي الأحاديث والأخبار فيها بعد وفاة أبيه وأخيه أبي داود رحمهما الله.

-1-

لا يَعرفُ القلمُ حقًا ماذا يُسَطّر عن هذه الشخصية المجتمعية شريفة الخصال.. أيبدأ من تاريخ الأسرة؟ أم يقفُ على المواقف والذكريات؟ أم يسرد تفاصيل المناقب والخلال؟ إذ هي في اعتبار المقدار والعدّة كثيرة المفردات عميقة المكونات والدلالات، لا يحصيها قلم، ولا يكفيها كتاب، ويكفي شرفًا أن من يكتب عنه هذه الكلمات لقيَه ذات يوم، وجلس معه ذات مرة؛ بل مرات ومرات، فكان متجددَ الفكر صاحب ذاكرة متوقدة وذو حديثٍ عذبٍ متسلسل، لا يطيش برأيه على أحد، ولا يكاد يقصي أحدًا في أحاديثه ومروياته، فكانت جلساته القول الفصل في بعض ما كتبناه عن والده وأخيه، وعن الواقع العُماني المعاصر بأسره على الأقل في المائة سنة الماضية، لأنه ببساطة عاش كثيرًا منه، ووصلت إلى مجالس والده وهجُها، فتلقاها وحفظها، وعرفها، وتآلف مع بعضها، ولم يكن فقط هو الراوي للأحداث بل المشارك فيها بفعل حراك والده الاجتماعي والسياسي سواء في ديار الوطن أو في المغتربات.

وعلى ذلك فهو يحظى بمجد الذات في علاقتها بالآخر..إنّه من رجالات عُمان الكبار الكبار عالي الهمة والمقام، سليل المجد السَّالمي السّامق أبدًا.. الحاضر في الذاكرة العُمانية منذ بَعث الإمامة الثانية حتى تأليف المتون والأصول، وطباعة الكتب، وتحقيق مصادر المذهب الاباضي، ودواوين الشعر والأراجيز والمنظومات، وكتب التاريخ العام، وقد ورث المجد وأتاه من كلّ منابعه، أو كما يقال سَرى إلى ذاته من كلّ طارفٍ وتالد؛ بل تدفق إليه من كلّ حوب وصوب..كيف لا ؟ وَجدّه ذلك الطَّود العلمي والمرجعية الكبرى نورالدين السّالمي الذي طارت باسمه الآفاق، وسرى بحدائه الرُّكبان..

 تراءى لي بالأمس مشهدُ نعشه في حزن عميق، حين رأيته مسجَّى ملفوفًا في غطاءٍ أبيضٍ منقّطٍ باللون الأزرق تحمله أيدي الرجال بعناية وَلُطف…بدا نعشهُ عاليًا سامقًا يتجاوزُ نخلات مزرعته التي ودَّعته بالأمس وانتكست قممها، وانحَنت سعفاتها تحيةَ إجلالٍ له، كان الجميعُ في ذهول ممَّا حدث، فالرَّجل – رغم كبَر سنّه – حتى لحظات الصباح والظهيرة بخير حال بعد أن تماثل للشفاء من وعكة ألمَّت به، كانت تلك اللحظات بمثابة وداعٍ أبَديٍّ أخير لا رجوع بعده، وقد اختار أن يبقى في مزرعته، وبين أسرته ليكون لقاؤه بهما الأخير متشحًا بأنوار سطوع الشمس في وضح النهار، ساطعًا منيرًا كسطوع وجهه وبشاشته المعهودة وطلعته البهية الآسرة.

-2-

 مع الواحدة ظهرًا انطفأت الشمعة، وفاضت الرُّوحُ الغالية إلى بارئها راضية مرضية لتكون آخر عباراته دعوةً لمَن حوله بإقامة صلاة الظهر بعد أن حان وقتها، فلم تحملهُ قدماه، ولا قواه إلى مُصَلَّاه المعهود ومسجده الذي تعوَّد على إقامة صلاته فيه، فتثاقلت قواه، فآثر إقامتها في غرفته؛ حيث كان، ومع حلول الثانية ظهرًا انتشر خبر نعيه الآفاق العُمانية وسرى بسرعة البرق، كيف لا ؟ ! وهو رجلٌ بحجمه تَعرفهُ عُمان من أقصاها إلى أقصاها..

مع الخامسة عصرًا حُملَ نعشَه من داره بمزرعته بالموالح إلى مقربة من مسجده الذي شيّدهُ فيها.. توافدَ الناس واحتشدوا حتى ضاق بهم صحن الدار وأرجاء المزرعة.

 كان من بين الحضور رفاق يومياته وجلساء مساءاته، ونفرٌ غير قليل من البسطاء الطيبين الذين ألفَهم وألفوه أتوا يذرفون الدمعة عليه، وقلوبهم منكسرة على فراقه.

 ومع أفول الشمس وحلول المغرب أقيمت الصلاة، وأمَّ بالناس ابنُ أخيه حمزة الذي ربّاه وأحسنَ تربيته.. اصطف المصلون يتصدّرهم ذلك الطود الأشم العلامة سماحة الشيخ بدر الدين أبي خليل أحمد بن حمد الخليلي مفتي الديار العُمانية الذي أتى رغم كبر سنه ليتصدّر صفوف الصلاة، ومن ثم يقيم صلاة الجنازة عليه في لحظات روحية فارقة صلّى فيها المصلون صلاتي المغرب والعشاء جمعًا صوريًّا تحسبًا لطول الطريق إلى بدية؛ حيث سيدفن، وبعدها حَمَلت نعشَه الأكتافُ ونُقل إلى مسقط رأسه قرية المنترب بولاية بدية ليصل إليها مع حلول الثامنة مساء وليُصَلَّى عليه صلاة الجنازة ثانيةً في مشهد جنائزي لا يماثله إلا مشهد جنازة والده عام 1985م.. حشودٌ أتوا من أنحاء الشرقية كلها.. كانت النفوس ثكلى والألسنة تلهج بالدعاء له وتذكر خصاله.. كان مشهدُ الجنازة مهيبًا وهو يعلو الاكتاف.. مشهدٌ لا يتكرر كثيرًا في حجمه وتأثيره، فقد تسارع الصالحون ورفاق الأمس ليدعون له بالرحمة والمغفرة والرضوان، ولذويه الصَّبر والسُّلوان، ولعلهم جميعًا يشتركون في إقرار خصاله الكريمة، ويحمدون مكارمه النبيلة الدالة عليه كشخصية مكمّلة لوالده ولجده ولأخوته ولأسرته وأبنائه الكرام:-

وما تَخفى المكارمُ حيث كانت // ولا أهلُ المكارم حيث كانوا

-3-

لقد مات أبو أنور أحمد السَّالمي الشيخ الكريم نصير الفقراء، ومعين الضعفاء، المنفق الأبدي بلا ضحيج، ولا رئاء، ولا تملّق… فهو كما يقول أبو تمام:

تعوَّدَ بسطَ الكفّ حتى لو أنَّه // ثناها لقبضٍ لم تُطعهُ أنامله

تراه إذا ما جئته متهللًا // كأنك تعطيه الذي أنت سائله

هو البحرُ من أيّ النواحي أتيته // فلجته المعروفُ والجودُ ساحله

ولو لم يكن في كفه غيرَ روحه // لجادَ بها فليتق الله سائله

لقد مات كريم القوم، مات عزيز النفس، الأريحي البشوش الذي لطالما حَجَّ إلى بيته قُصّادَ الحاجات أفواجًا وجماعات في مشهد قلَّ نظيره في مجتمعنا العُماني المعاصر… قصُرت اليد الممدودة اليوم إليهم بعد وفاته، ولم تعد خطواتهم إليه إلا في عزاء أقيم في مسجد أبيه المُقام على مقربةٍ من بيته بالموالح سمي بمسمى والده “الشيبة”.. ضجَّ المسجد حتى ضاقت بالمُعزّين جنابته وزواياه.. توافدَ إليه الناس من عُمان كلها، ليقولوا بفمٍ واحدة:” أحسنَ الله عزاءكم في أبي أنور كريم الخصال.. رحمه الله”.

-4-

لأبي أنور خصالٌ لا يعرفها إلا من اقترب منه، فهو سَمحٌ، مضيافُ، يستقبل الناس بصدر رحب، وينفق كل ما بيده، ويُوسع ضيفه استقبالا وترحيبًا مهما كانت منزلته ومكانته، ولطالما تمثلتُ مشهَدَ مجلسه في بدية وهو أمام تلك الحشود الذين يقبلون على تهنئته بمناسبات الأعياد، أو المناسبات الاجتماعية فلا يكلّ منهم ولا يَمل.

كانت صدقات الشيخ أحمد السَّالمي دائمًا مميزة أكلا وشربًا وملبسًا وإعاناتٍ ماديةٍ غير قليلة، واليومَ وقد انطفأت الشعلة فإن الأمل في أبنائه ولن تخبت نار بيته، ولن تنطفي مواقده، ولا ترفع معازف طعامه اليومي، ولا وجباته التي يقدّمها للفقراء والمحتاجين بل هي قائمة مستمرة؛ لأنها متأسسة على قناعة البر والتقوى والإتفاق والصدقات التي لا جزاءَ لها إلا الجنة.

 لقد كانت هذه العادة في الكرم رديفة حياة الأسرة كلها وقد ورثها هو منهم ومن أسرته وما تغيرت البتة حتى مع تقلّب الحياة وتبدل الأحوال، وحسبي أن تلك الشعلة الكرمية وإن انطفت ستبقى جذوتها في أبنائه وسائر أحفاده فهم سيكملونها دون انقطاع… كانت صدقاته للعابرين والمتعبين وطالبي الحاجات والبعيدة بيوتهم عن أعمالهم دائمة مستمرة.. بيته مأوى لمن لا مأوى له، ويده ممتدة بلا حدود:

ليسَ العطاءُ من الفضول سماحةٌ // حتى تجودُ وما لديكَ قليلُ

-5-

وأخيرًا.. لا يكاد يُجمعُ أهل عُمان في عصرهم الحديث على رجل كريم مثلما يجمعون على الشيخ الوقور أحمد بن محمد بن عبدالله السَّالمي رحمه الله، فقد بلغ من الكرم شأوًا لا يضاهيه فيه إلا القلة القليلة من أبناء وطنه، فالرّجل يتصفُ بمحامدَ لا يوفيها قلم، وصفاتٍ لا يطالُها إلا من أوتي بسطة في فهم الأخلاق العالية والإدراك المطلق بالإيمان وبمبادئ الدين، وقيم المجتمع، فترى بيته عاجًا بالحركة بين صادر ووارد، وقد استقى هذه الصفة من أبيه شيبة الحمد أبي بشير الشيبة الذي وصفه الإمام الخليلي حين أكرمه فقال” بأنه يُكرمُ أهل عُمان كلهم ممثلا في شخصه” وحسب ذلك من خصال لا يحظى بها إلا القلة من الناس.

لقد فقدت عُمان هذا الشيخ، وأرّخت وفاته بدم القلب وألق الفؤاد في يوم من أشرف أيامه، وفي مكان من أجود الأمكنة.. إنها مزرعته وجنته التي لم يفرّط بها البتة فآثر إبقاءها دون مساس متحديّا زحف المدينة عليها، ومتحملا دوي الطائرات، وضوضاء الطرقات المجاورة، فكانت متنفسه وعشقه الأبدي، فللنخلة والشجرة في نفسه مقامٌ كبير، وفهمٌ خاص؛ لهذا بقيت مزرعته بالموالح دالة عليه يعرفها من قصده وتردد عليه.

-6-

في الجانب الآخر من شخصيته هو رجلُ مجتمعٍ أصيل، وصاحب أعراف وقيم منغرسة في ذاته منبعها تربة الوطن، وبذلك غدت وغدا بها أنموذجًا للشخصية العُمانية في أدق تفاصيلها، فعندما كنت أتردد عليه لزيارته أتهّيب من لقائه بلا عمامة، ولا عصا، وفي المناسبات الكبرى بلا خنجر، فقد آثر استقبال ضيوفه وزواره وهم في أكمل تفاصيل هيئتهم وهويتهم العُمانية، وهذا لا يعني أنه لا يقبل الجديد لجدته؛ بل يقبله لعراقته ولصلته بتاريخ الأجداد وميراثهم الأبقى.. أنه حريصٌ كلّ الحرص على بقاء العادات دون تبديل، ولا تغيير مهما كانت فرضيات الحضارة المعاصرة تضغط عليه، وتشدّ على يديه بالقبول وهو يتمنَّع.

في المقابل، كنت أنشرحُ للقائه كونه يحمل جاذبية فريدة وكاريزما عجيبة يتحدث معك بلا تكّلف، ولا تصنّع، يسرد لك الأحداث دون مقيدات مسبقة وخاصة تلك الأحداث الفارقة في السياسة العُمانية والمجتمع، يسرد لك الأحداث التي عاشها واشترك فيها، يتحدث لك عن دولة الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي وما دار فيها من تجاذبات وأحداث، يتحدث لك عن بيعة الإمام غالب بن علي الهنائي، وحرب الجبل الأخضر، وزعماء الثورة والنضال وهو منهم، يسرد لك قصة ثورة إبراهيم بن عيسى الحارثي ومشاركته فيها، ويورد لك ما دار بين الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى وأخيه صالح بن عيسى الحارثيين، وأكثر من ذلك يتحدث عن والده الألمعي الكبير، وعمّه القاضي الشهير أبي حميد وعلاقتهما بالإمام الخليلي، ومن بعدهما بسائر السلاطين والزعماء، يحدثك عن ولاية والده وعمّه على نخل والمعاول وما دار هناك، يتحدث لك عن الأمكنة والأزمنة وما حلَّ فيها من تغيرات وتبدلات، يتحدث لك عن القبائل العُمانية وأصولها وأماكن استقرارها، يحدثك عن الأسفار والأقاصي والأباعد، يحدثك عن حياته وتعليمه في مدرسة الغزالي بصور، وعن أساتذته وزملائه فيها، والكتب المقررة عليهم، ينتقل بك في حديثه عن أسفاره البعيدة وإقامته في أفريقيا في شبابه المبكر ثم بداية وصوله بلدان الخليج، ثم إقامته في الكويت وعلاقاته بالعُمانيين المهاجرين فيها، ويحدثك عن ” برزة ” أبيه فيها، يحدثك عن الدّمام معقل الإمام وزعماء الشتات، وبداية نشوء مكاتب الإمامة يسرد لك كلّ شيء بلا تكلف ولا غطاء بأسلوب بسيط كأنك ترى ما يحدثك عنه..هو – فعلا – ذاكرة الوطن الحية المتوهجة استفدتُ منه شخصيّا وأنا أكتب كتاب أبيه، وألّفُ كتاب أخيه أبي داوؤد، وأحرر سفر عمّه القاضي أبي حميد، وابن عم جدّه شاعر البيان ابن شيخان، كلّ تلك الكتب كان أبو أنور مصدري الأول فيها، إذ كنت لا أغادر بيته إلا وأنا حاصل على بغيتي العلمية، وقد كان كريمًا معي في كلّ شيء.

-7-

وبعد.. فالشيخ أحمد السّالمي كما عرّفته في كتابي عن والده 1/ 55 “هو رابع أبناء الشيبة، وقد رأى الدنيا لأول مرة في بلدة ” المنترب بولاية بديه بتاريخ 2 رمضان 1351 هـ، الموافق للثالث من ديسمبر من عام 1932، وتعلم القرآن في قرية “الظاهر” على يد المعلم الشيخ سيف بن راشد الحجري، ثم المعلم الشيخ سعيد بن حمد الحجري، ودرس تلقين الصبيان على يد الشيخ على بن ناصر الغسيني، والشيخ على بن سالم الحبّاسي. وقد أثر أولئك المعلمون بالإضافة إلى والده الأصول الأولى في تكوينه المبكر، فاكتسب منهم جمال الخط، وجودة السبك والتعبير، والقراءة وساعده تكوينه الأول في هذه المدارس التقليدية على فهم جديد المعرفة، وبفعلها تسنّم الوظيفة الإدارية بمكتب إمامة عُمان في الكويت لسنوات غير قليلة.

وفي سنة 1942م التحق بمدرسة الغزالي بصور لمدة ثلاث سنوات، وفي سنة 1946م سافر إلى إفريقيا وأقام في “تانجه” لمدة أربع سنوات؛ حيث تجول في بعض مناطق البَر الإفريقي.

وفي سنة 1953 رجع إلى عُمان وأقام سنتين بصحبة والده في بِديّة، وفي نهاية سنة 1955م سافر إلى المملكة العربية السعودية بصحبة والده وأقاما معًا حتى نهاية سنة 1958م، ثم انتقل سنة 1958 إلى الكويت ليعمل في التجارة والأعمال الحرة لمدة سنتين، ثم ليلتحق بوظيفة نائب مدير مكتب إمامة عُمان بالكويت، وفي سنة 1963 سافر مع مدير المكتب الشيخ عبدالله بن سالم الغزالي ليحضر المؤتمر الافريقي الأسيوي في جزيرة “مورش” الافريقية مُمثِلًا للإمام غالب بن على الهنائي، واستمر في عمله بمكتب الإمامة حتى عام 1970م، عاد بعدها إلى الوطن ليمتهن الأعمال الحرة والمقاولات، وفي سنة 1997 كُرّم الشيخ أحمد بتعينه عضوًا في مجلس الدولة.

وللشيخ أحمد السّالمي أعمال ثقافية، فقد قام مع أخيه سليمان بطباعة بعض الكتب العُمانية مثل: “تحفة الأعيان”، و”جوهر النظام”، و”تلقين الصبيان” والجزء الثالث من “مسند الإمام الربيع”، إضافة إلى ديواني النبهاني والستالي وغيرها، ويتصدر اسمه أغلفة هذه الكتب، مُشكِّلًا بذلك ريادة ثقافية عُمانية في الاضطلاع بالنشر والطباعة.

وأخيرًا… إنًّ أفضل وصفٍ يمكن أن ينطبق على شخصية هذا الرجل الكريم ما وصفت به الخنساء أخيها:

طَويلَ النجاد رَفيعَ العماد // قد سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا

تَرى المجدَ يهوي إلى بيته // يَرى أفضلَ الكسب أن يُحمدَا

وَإنَ ذكرَ المجدُ الفيتهُ // تأزّرَ بالمَجد ثمّ ارتَدَى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى