تحرير مسقط وزوال الاستعمار البرتغالي

د. هلال الحجري **

كاتب وباحث ومترجم عماني

منذ زمن وأنا أبحث عن دراسة أكاديمية برتغالية تناقش الهزيمة النكراء التي تعرضت لها البرتغال في عُمان عام 1650؛ لأتبين كيف ترى النخب الأكاديمية البرتغالية انهيار امبراطوريتهم على يد اليعاربة الأشاوس. وقد وقفت اليوم على أطروحة ماجستير قدمت في جامعة لشبونة في ديسمبر 2020 باللغة الإنجليزية عنوانها “القوة المُترنِّحة: سيطرة البرتغاليين على سواحل عُمان 1622-1650″ لدانييل فيليبي فيريرا دا كوستا.بنبرة يغلب عليها الفخر والتحسر، ناقش الباحث الاستعمار البرتغالي لشواطئ عمان بين عامي 1622 و1650. ويرمز هذان التاريخان، حسب قوله، إلى اللحظات الحيوية للوجود البرتغالي في الشرق الأوسط في القرن السابع عشر؛ فالتاريخ الأول يشير إلى فقدان هرمز، أحد أغنى الموانئ البرتغالية في المحيط الهندي بأكمله، لصالح القوات الأنجلو-فارسية، وما تلى ذلك من نقل مركز قيادة العمليات البرتغالية في الخليج العربي إلى مسقط. أما التاريخ الثاني فيمثل الهزيمة النكراء للبرتغاليين التي تعرضوا لها أمام الجيش العماني في مسقط، وطردهم لا من عمان فحسب وإنما من كافة موانئ الجزيرة العربية. يقول الباحث: ” وقد انتهى كل ذلك في عام 1650، عندما طردت القوات العمانية البرتغاليين من مسقط دون أي مساعدة أجنبية، على عكس خسارة هرمز. سيكون من المثير للاهتمام أن نفهم كيف فقدت إمبراطورية عالمية آخر معقل رئيسي لها في الخليج بهذه الطريقة.”تتكون الأطروحة من عشرة فصول متوسطة، تناول فيها الباحث قضايا مثل العمليات العسكرية، والمخططات التجارية، والصعوبات المالية، والقرارات السياسية، والخصائص الدينية، وتوتر العلاقات. حاول من خلالها فهم تصرفات النخب السياسية والعسكرية البرتغالية في جوا تجاه الثورة العمانية خلال ثلاثة عقود تقريبا من 1622 إلى 1650، وكذلك مانتج عن تحرير مسقط من انتصارات اليعاربة وتتبعهم للبرتغاليين في الهند وشرق أفريقيا.ما يميز هذه الدراسة أنها اعتمدت على الوثائق البرتغالية النادرة، مع استشارتها لبعض المراجع الإنجليزية والعمانية مثل كتابي ابن رزيق والسرحني.أهدى الأستاذ دانييل أطروحته لزوجته و” الرجال الشجعان الذين ضحوا بحياتهم من أجل الراية البرتغالية في مسقط عام 1650″!فمن من العمانيين والعرب يهدى قصيدة أو أطروحة علمية لخمسة آلاف من الشجعان العمانيين الذين استشهدوا في أوائل يناير عام 1650، وهم يتسلقون أسوار القلاع في مسقط لتحرير عُمان والجزيرة العربية من أبطش استعمار عرفه التاريخ؟!

هلال الحجري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى