عن المقاطعة…

  • بقلم / سعيد بن مسعود المعشني

يجب القول ابتداءً إن المقاطعة للشركات التي تدعم إسرائيل، أو المرتبطة بهذا الكيان الإجرامي الغاصب، هي فعل واجب، ونقطة على السطر.
ومع ذلك، لا يمكنني ادعاء شرف الانضمام إلى هذا الفعل الشعبي الشريف بشكل كلي لعدة أسباب.
منها، على سبيل المثال، تعلقي الشديد بالقهوة التي تقدمها سلسلة مقاهي “ستاربكس”. ولأنني ضعيف أمام رغبتي الملحة في قهوتهم الصباحية المميزة، أجد نفسي أقود باكرًا إليهم للحصول على رشفات من هذه المتعة “المحرّمة”.
غير أني أنحني احترامًا لمن لديه القدرة على الالتزام بالمقاطعة التامة، وأبحث عن عذر كذلك للضعفاء من أمثالي.
ما يخفف عني وطأة هذا الفعل السيئ، ويعيد لي توازني الأخلاقي، أكثر من أي شيء، هو رؤية الابتسامة على وجوه العاملين العمانيين هناك الذين يستقبلونني بحفاوة بالغة تتخطى واجبات الوظيفة. فهؤلاء يتحملون وزر الشركة الأم، وذنبهم الوحيد أنهم لم يجدوا بديلًا يناسب مؤهلاتهم في سوق عمل أصبحت فيه الوظائف شحيحة، مما يضطرهم إلى التنازل قليلًا عن كبريائهم ومبادئ عروبتهم الراسخة من أجل لقمة العيش التي باتت صعبة المنال.
رغم كل ما سبق، يسعدني، حدّ الزهو، أن كراسي مقاهي “ستاربكس” شبه خالية، مما يقلل من أثر مساهمتي في أرباح الشركة الأمريكية.
هذا لا يعني إطلاقًا أنني غير ملتزم تجاه شركات وعلامات تجارية أخرى. فأنا، مثلًا، لا أتناول المنتجات الغازية بأنواعها الأصلية أو البديلة، باستثناء بسيط يتعلق بالمياه المصفاة لإحدى هذه العلامات، لجودتها في تحضير الشاي. غير ذلك، فأنا ملتزم جدًا.
ما يقض مضجعي فعلاً تجاه موضوع المقاطعة، التي أُكنّ لها كل الاحترام كخيار، أننا نقتني سيارات “فورد”، ونثري ورثة “إديسون”، ونركب طائرات “بوينج” و”إيرباص”، وغيرها من الشركات والعلامات التجارية في أمريكا وأوروبا، التي تسهم مباشرة وبقوة في دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة.
ونظرًا لتعذر وصعوبة مقاطعة العالم كليًا، بحكم أننا عالة عليه، فسأتجرأ وأطرح بديلًا عمليًا نسأل الله أن يُكفِّر به ما نرتكبه من هنات بعدم التزامنا الكامل بالمقاطعة.
أنا هنا أدعو إلى إطلاق حملة شعبية مكثفة تستمر لأشهر، تُجنَّد لها كل الطاقات، وينخرط فيها الجميع لجمع الأموال والتبرعات العينية، كل حسب قدرته، لدعم إخواننا في غزة ولبنان.
ولأن بلدنا، ولله الحمد، وقيادته الرشيدة، منسجمان في مواقفهما الرسمية مع توجه الأغلبية الكبرى من أبناء الشعب العماني الأصيل في دعم القضية الفلسطينية ومناصرة حق الفلسطينيين المشروع في الدفاع عن أنفسهم وإقامة دولتهم المستقلة، وكذلك دعم لبنان في واجبه الشرعي والأخلاقي في الدفاع عن أرضه وتحرير قراه المحتلة في الجنوب، فإنني أقترح أن تتبنى الحكومة هذه الحملة، وتسخِّر لها الإمكانات، وتوجه الإعلام الرسمي لإفراد المساحات اللازمة لها في برامج التلفزة والإذاعات الرسمية والخاصة.
على قاعدة أن “الحسنات يُذهبن السيئات”، وأن “ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه”… ولله الأمر من قبل ومن بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى