في فمي ماء..!
سعيد بن مسعود المعشني
بعض الطارئين على التجارة والمال والشهرة، وقليلًا من ورثة التجار والمسؤولين السابقين الذين بنوا إمبراطوريات مالية، يعزمونك على غداء أو عشاء، وينفقون مبالغ معتبرة لجلب مشاهير السناب لتوثيق “الحدث” من لحظة دخولك حوش “قصر طويل العمر” إلى لحظة السلام على “المتشيخ” المتربع في صدر المجلس.التغطية لا تقتصر على توثيق أصناف الطعام والحلويات المقدمة، بل تمتد لتشمل أدق التفاصيل، مثل أنواع البخور والعطور التي تُحضَّر بعناية لتتماشى مع جودة التصوير. بعبارة أخرى، هذه الدعوة ليست أكثر من إعلان مجاني لهذا “الإمعة”، الذي يستخدم ضيوفه كممثلين وكومبارس لتقديم نفسه أمام المشاهدين كرمزٍ للكرم والمكانة، بينما الثمن الحقيقي للدعوة هو تلك الوجبة التي يتقاسمها معك هو وأفراد عائلته وأصدقاؤه وموظفو مكتبه والمصورون والنشطاء الاجتماعيون الذين لا يفارقون المشهد.وعلى ذكر “النشطاء الاجتماعيين”، يبقى السؤال قائمًا: من تبرع لهم بهذا اللقب الذي يُفترض أن يُطلق على من يقوم بأدوار مجتمعية جليلة تخدم مجتمعه المحلي بصمت ودون بهرجة إعلامية؟ لقد أُفرغت هذه الكلمة من معناها الحقيقي عندما أصبحت تُمنح لكل من يجيد استغلال الكاميرا ووسائل التواصل، لا لمن يخدم الناس بصدق وإخلاص بعيدًا عن ضجيج الشهرة.إن هذه الظاهرة، في جوهرها، تمثل انعكاسًا لثقافة استعراضية انتشرت مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات كل شيء يُقاس بعدد المتابعين والمشاهدات بدلًا من المضمون والقيمة. للأسف، اختلطت المفاهيم حتى أصبحنا نخلط بين الترويج الشخصي والعمل المجتمعي الحقيقي، وبين الكرم الأصيل والاستعراض المبتذل.