لماذا نخيف أطفالنا؟
هل تساءلت يوماً لماذا نبدأ بتخويف الطفل منذ نعومة أظفاره؟ تبدأ الحكاية مع قصص الجدات عن «حمارة القايلة» التي تنتظر الأطفال الذين يتجولون وقت الظهيرة، وتمر بـ«أم الدويس» التي يخشاها الرجال أكثر من زوجاتهم، لتصل إلى الرسوم المتحركة، حيث يظهر الوحش بمئات الوجوه والأسماء، وكأن الطفل محكوم عليه بأن يكبر محاطاً بشبح الخوف من كل زاوية.
الهدف قد يبدو بريئاً في البداية. كان الأجداد يريدون حماية الصغار من الخروج في الشمس، أو التسكع ليلاً، فاختلقوا هذه الحكايات. ولكنْ تطور الأمر إلى أن أصبح التخويف سياسة معتمدة. كل كتاب للأطفال يحمل وحشاً أو شريراً، وكل فيلم يعرض شخصية مظلمة تعصف بخيال الطفل البريء. حتى أفلام ديزني – التي يُفترض أنها ترفيهية – تقدّم لنا الوحش في هيئة «سكار» الذي يسعى إلى الدمار، أو «جعفر» الذي يخطط للخيانة، وكأن الحياة دراما لا تكتمل إلا بوجود الشر المطلق.
المثير للتساؤل هنا: هل تخويف الأطفال جزء من خطة خفية أم إنه مجرد تصرف تسويقي؟ إذا تأملنا الأمر نجد أن الخوف سلعة ناجحة. فالشخصيات المخيفة تتحول إلى منتجات تباع بأسعار باهظة من الألعاب إلى الأقنعة، وتصبح رمزاً للترفيه، لكن إذا كان التخويف مجرد أداة تسويقية، لماذا تستمر هذه الأفلام نفسها في التأثير السلبي؟ الإجابة ببساطة: لأننا سمحنا لها.
الطفل الذي يكبر وهو يخاف من العفريت الذي تحت السرير، يعتاد على تجنّب المواجهة. يصبح المجهول بالنسبة له تهديداً دائماً، سواء كان مشروعاً جديداً أو قراراً مصيرياً. نحن نزرع في نفوسهم بذور الخوف ثم نتساءل لماذا لا يحققون أحلامهم.
لكن هل يمكننا كسر هذه الحلقة؟ بالتأكيد نعم. بدلاً من رواية قصة عن «حمارة القايلة»، يمكننا أن نحكي لهم عن طفل استطاع أن ينقذ قريته من الجفاف. بدلاً من «أم الدويس»، نخبرهم عن أم شجاعة واجهت التحديات لتؤمن مستقبل أبنائها. ليس علينا أن ندفن التراث، بل نعيد صياغته بطريقة تُغذّي العقول والقلوب.
الطفولة ليست ساحة لتجار الرعب، بل مرحلة لبناء الأمل والشجاعة. الطفل الذي يخاف من العفريت قد يهرب من التحديات، لكن الطفل الذي يسمع عن الأبطال سينطلق ليخلق قصته الخاصة. فلنفتح لهم نافذة تطل على ضوء الشمس، بدلاً من نافذة تطل على ظل الوحش.