إرهاصات بنت الثلاثين.. ( مشاهد من الواقع – أنموذج ١ )
بقلم : د حسن الموسوي
توطئة:
بعد الإمعان والنظر في الموضوع المذكور قررت أن أتناول بعض النماذج من المشاهد العديدة المذكورة دون حشو زائد ولا إطناب فيه ملل ، يعيش فيها المجتمع بأكمله في الوقت الراهن ، والتي شاهدت وعاينت كل ذلك عن قرب على مدى سنوات عمري الطويل .
وأبدأ بالأنموذج – ١
البنات في الزمن الماضي :
أتذكر كانت الفتاة تدخل العش الزوجي في باكورة البلوغ أو تتعدى بعض سنين ، وكانت تشعر بالسعادة بالحياة الزوجية دون أية مشكلة . لأنها تكون على إتصال بشكل يومي مع الوالدين والأقربين ولا ينغصها الفراق إلاّ الندرة من الحالات .
كانت الثقافة الإسلامية والتقاليد الاجتماعية هي الأساس في تربية الأبناء وكانت المؤثرات الفكرية الخارجية معدومة وشبه معدومة .
رغم كثرة الإنجاب وكانت تلك ظاهرة طبيعية لا أحداً يشتكي لا البنت ومن حولها . كان عمر البنت يمتد إلى الثمانين وأكثر دون أن تعتري بدنها الأمراض لا العضوية ولا النفسية . حيث أن الزواج المبكر رغم إنه صون وحماية لها ، كذلك كان وقاية من الأمراض التي تعانيها العانس من خطر الأمراض الخبيثة مثل سرطان الغدة الحليبية والسبب إن الزواج المبكر يعزز جهاز المناعة
أنموذج – ١
فتاة الزمن الحاضر
سأطوف مع هذا الأنموذج مختلف المراحل الأولى من العمر وقبل أن تدخل العش الزوجي المتأخر وكيف تؤول الحياة بعد كل ذلك :
مرحلة الطفولة :
هي المرحلة من السادسة إلى الثانية عشرة من العمر . في أواخرها الأولى يكون البدء فيها سن التكليف . أصبح اليوم يطلق على الفتاة في هذه المرحلة الطفلة ، أي يكون العش الزوجي في هذا العمر في المجتمعات اليوم أمراً غير وارد البتة ، بينما ما زالت بعض المجتمعات ساريا فيها كما كانت عندنا قبل سنوات عديدة . هكذا تمر هذه المرحلة دون الزواج طبعاً دون أن يأتي لها خطيب يطلب يدها .
المرحلة المدرسية
ها هي بداية مرحلة المراهقة لها وتصبح أكثر نضجاً بدنياً وفتنةً وجمالاً وهي في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية . يأتي لأهلها من يطلب يدها من القريب والبعيد ، ولا يمانع الأهل على ذلك ، لكن ترفض هي بحجة إنها ما زالت صغيرة وما زالت في حاجة أن تكمل دراستها في المدرسة .
المرحلة الجامعية
بعد أن تكتمل الدراسة في المراحل السابقة يبدأ التفكير في الدراسة الجامعية . وتدخل الفتاة ليبدأ مشوارها الجامعي وقد بلغت نهاية العقد الثاني . لكن الأنموذج هذا ، مثلها الغالبية في المجتمع من الفتيات تقول :
لازم أخلص دراستي اول
ويرد أبوها : ولد حلال زين إتزوجّي
وتضيف الام : إبنتي أصبحتي كبيرة
تعود الأم بالذاكرة إلى الخلف وكيف أنها كانت في مثل عمر إبنتها أماً لأولاد وأولهم بلغ العشرة من العمر . وتأن باللوعة من صدرها :
سبحان الله ماذا يجرى اليوم ؟
لكن تبقى الفتاة على عنادها ، ويستمر معها الزمن ، وها هي تنتهي من الدراسة الجامعيّة . ولإنها أولاً وهب الله لها الكثير من الجمال ؛ وأخيراً صارت تملك بيدها الشهادة الجامعية . لكل ذلك في كل لحظة يطرق أبوابها الشباب من أولي الجاه والمال والخلق الطيب والوجه الجميل . لكن فتاتنا تركض وراء الزبد فترفض الرجل هذا وتعلل بعلاّت مختلفة في الشاب الأخر .
مرحلة الوظيفة
بلغتَ الان الثلاثين وهي على موقفها الثابت لا تفكر الدخول في العش الزوجي لأن المال يأتيها من الوظيفة ، لذا ترى أن الوضع الذي تعيشه دون صعوبات ومسؤوليات أسرية ، والعيش طليقةً خير من شباك القفص الذهبي مع الرجل .
هنا بدأت الأمور تسير بشكل ينغص حياة الأم والأب كذلك ، وهما ياريَان البنت التي بدأت تدخل العقد الرابع وهي تلهو بالسنورة الفارسية مرةً وبالكلب تارة أخرى .
نعم ذهبت منها الكثير من المفاتن السابقة التي كانت تتفق فيها مثل وردة البستان ، فبدأت تفقد ذلك الرونق الرائع الذي كان فيها ، بل فقدت غير ذلك الكثير من إبتسامة عذبة وحمرة الخد الأترج وألقه ورائحته وحتى بريق العين المائي التي لا مناص منها مع مرور الأيام . الأنثى مثلها مثل الفاكهة إذا لا تمتد اليد إليها عند قطافها تسقط .
اليوم وهي في الوظيفة لا يأتون الفتية في طلب يدها كما هي عاهدت ذلك من قبل ، بل يأتونها من هم أكبر من سنّها عقداً أو عقدين ويزيد .
فعلا إنه جيل متمرد على كل النعم والماضي الزاخر بالتراث ، إنه يفكر هو الراقي ومن حوله متخلف . هذه السوسة التي زرعها الخبراء في مجتمعاتنا من وراء البحار ونجني قطافها السئ اليوم . ومن المجتهدين من يؤول ذلك كله إلى أسباب عقيمة : إجتماعية كانت وإقتصادية وثقافية وغيرها .
نهاية الرحلة الحزينة
بعد كل هذه الإرهاصات تعتري هذه الأنثى أمراض كثيرة وسرطان الثدي أكثرها لها تربصاً وفتكاً . فهذه الغدة الكبيرة خلقها الله تعالى لتؤدي دورها في الجسم ، وإذا تركت دون ذلك ، فإنها لا محالة تأخذ سبيلاً تختارها الخلايا الخبيثة لها سكناً ناعما ، بدل نعمة الأمومة وما فيها من نِعم عظيمة هي الرضاعة والنظرات العطوفة المتبادلة بين الأم ورضيعها .
ها هي تعيش اليوم بعد كل ذلك مع رجل لا حسن فيه ولا
فتوة الشباب بل جلد عشعش فيه ركامات الزمن .
وتكبر هي ويكبر هو ولا مستأنس لهما من الأولاد ، لأن قطار العمر أحدث فعله . وتكون النهاية الكآبة والأمراض النفسية والعضوية تجرها هي حتى تنتهي الحياة دون الإستمتاع من لذة حنان الأمومة والعطف والحب وغير ذلك كثيراً ….