إقراض المال للأقارب والأصدقاء
محمد الكندي
هناك ناسٌ يخجلون من طلب المال من أحَد معارفهم أو أصدقائهم حتَّى ولو كان لدَيْهم ظرف طارئ ويفضِّلون التَّعامل مع مشاكلهم بسِرِّيَّة تامَّة.. في حين هناك ناسٌ لا تستحي ولا تخجل من اقتراض مبلغ مُعيَّن من شخص مقرَّب مِنْهم على أن يُسدِّدوه له لاحقًا أو في أقرب وقتٍ ممكن.
نحن العرب أساسًا مخلوقات عاطفيَّة، وهذا هو رونق ثقافتنا. ومن صُلبِ هذه الثَّقافة ينبع تمسُّكنا بمفاهيم مِثل التَّكافل والتَّضامن.. وذلك يزيدنا فخرًا وعزًّا. لكن رغم ذلك.. يَجِبُ المحافظة على توازنات مُعيَّنة حين يتعلَّق الأمْرُ بالمال والدَّيْن، وإلَّا سترتدُّ عَلَيْنا فِطْرتنا مُسبِّبةً أذًى أكثر من الخير.
لقَدْ علَّمنا رسولُ الله ـ صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم ـ أنَّ تكافلَ النَّاس وتراحمَهم وتعاونَهم هو الحلُّ الصَّحيح لمشاكل المُجتمع. فالإنسان لا يعيش وحده، ولا يستطيع الوفاء بحاجات نَفْسِه.. فالجميع في خدمة الجميع.
في هذه المقالة التَّوْعويَّة ندردش ونطرحُ لَكُمْ آراءنا ورؤيتَنا ونصيحتنا في إقراض المال لأحَدٍ أو للأقارب والأصدقاء، لا سِيَّما أنَّ هذه المسألةَ كثيرًا ما تُحدث شرخًا في العلاقات بَيْنَ الأفراد وتؤدِّي للقطيعة.
أخي العزيز.. يَجِبُ أنْ تَعْلَمَ أنَّ إقراضَ المالِ ليس بالأمْرِ السَّهل أو الهَيِّن. ولكن لِنَكُنْ أكثر واقعيَّةً، فاحتمالات أنْ يطرقَ بابَك شخصٌ، أو أنْ يرنَّ هاتفُك لِيكُونَ صديقك على المكالمة يطلب مِنْك المساعدة الماليَّة الفَوريَّة.. هي احتمالات كبيرة. وهنا يتطلب مِنْك التَّفكير السَّريع والإجابة الفَوريَّة بنعم أو لا.. الجميع يمرُّ بضغوطٍ ماديَّة لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، ويحاولُ أحَدنا أن يجدَ منفذًا لِتنفُّس بعض الأُكسجين في محيطٍ مُطوَّق باستقرار مادِّي.. حتَّى ولو كان لحظيًّا. ولكن من المُهمِّ أيضًا أن تنتبَه وأن لا يتمَّ استغفالُك أو استغلالك؛ لكونِكَ الصَّديق الأكْفأ الموجود دومًا لسدِّ فراغٍ مادِّي أغفله صديقك.
فما الَّذي ينبغي أن تُفكِّرَ به قَبل الإجابة بنعم أو لا؟
– تذكَّر أنَّك غير مُلزَم بإقراضه.
– يَجِبُ أن تعرفَ صديقك حقَّ المعرفة.
– القرض الَّذي تُعطيه له ليس للكماليَّات.
– تأثيرك إذا لم يتمَّ سداد القرض.
– من حقِّك أن تعرفَ غرض القرض.
– لا تخجل من قول: لا.
– كِتابة الدَّيْن.. مُستنَد ويُفضَّل مع شهود.
– مالك هو حقُّك.. لا تَنْسَ تذكيرَه بالسَّداد.
في حديثِنا عن المقرض والمقترض نراها مُشْكلةً معقَّدة، والصُّعوبة فيها عِندَما يكُونُ المقترض صديقًا أو قريبًا لك. هنا أنتَ تتعرض للإحراج والخجل من المطالبة بالقرض حتَّى لا تفهم خطأً، أو حتَّى لا يتطوَّرَ الأمْرُ بعدم السَّداد، وينتج مِنْها خسارة كُلِّ طرفٍ للآخر؛ لأنَّ بعضَنا يؤثِر بعدم المطالبة بالمال ونسيان الموضوع حتَّى يَقُومَ المقترضُ بسدادِه من تلقاء نَفْسِه حتَّى لا تحدُثَ مشاكل بَيْنَهما وتؤدِّي للقطيعة.
هناك مَثل قديم يقول (إذا أردتَ أنْ تخسرَ صديقًا فسلِّفه من مالك) وهذا المَثل ممكن أن يكُونَ صحيحًا، وممكن أن لا يكُونَ واقعيًّا.
ولكن يبقى الإحسان والخير موجودًا والله يديمه إن شاء بَيْنَ الأصدقاء والمُسلِمِين، وتفريج الكربة عن النَّاس شيء طيِّب ولكن وثِّقْ الدَّيْن (كصَكٍّ شرعي) لضمانِ حقِّك، وعَوْنُ الإنسان لأخيه واجب، ومن أجْلِ مرضاة الله حتَّى يتعمقَ ويستمرَّ ويتواصلَ.
من ناحيتي لا أردُّ محتاجًا يقصدني بهدف الاستدانة مِنِّي، خصوصًا إذا كنتُ أثِقُ به، كان من الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء. لذا تراني أسلِّفه من دُونِ أن أطلبَ مِنْه أيَّ مستندات؛ لأنَّ مُجتمعنا العربي يَعدُّ الكلمة شرفًا وعُرفًا وتقليدًا لا يُمكِن التَّفريط فيها، وفي نَفْسِ الوقتِ لا أستَحِي من المطالبة بحقِّي.. وهذه حِكمتي.
هناك صديق لي.. قال إنَّ أباه قال له حكمة حين جاءه أحَد النَّاس يقترض مِنْه!
قال له: لو ما أعطيته بيزعل مِنْك.. ولو أعطيته وطلبتَها مِنْه بيزعل عَلَيْك.. في هذه الحالة خلِّيه يزعل عَلَيْك وفلوسك عِندَك… ولا يزعل عَلَيْك وفلوسك عِندَه.
أيضًا صديق آخر قال لي: «هناك أُناسٌ أعرفهم وكنتُ دائمًا أتواصلُ معهم عَبْرَ الهاتف، بس لمَا تَسلَّفوا مِنِّي صرتُ ما أكلِّمُهم بالشُّهور، أخاف يفهموني غلط، ويعتقدون أنِّي أطالبُهم بالقرض».
صديق لي اختصاصي في عِلم النَّفْس سألتُه مرَّةً عن هذا الموضوع؟ وقال لي: إنَّ عدمَ الوفاءِ بالدَّيْن وتسديدَه يُعَدُّ سلوكًا اجتماعيًّا بَيْنَ النَّاس الَّذين تَسُود نَفسيَّاتِهم حالةٌ من عدم العطاء والحرمان في الطُّفولة.. لذلك تجدُهم يستولونَ على أشياء الآخرين فيتأصَّل عِندَهم كنَوْعٍ من الشَّطارة فيُصبح من الصَّعب عَلَيْه أنْ يُعِيدَها أو أنْ يُعطيَ غيره.
نصيحتي لك..
١- اِحذَر وانتَبِه قَبل إقراضك المال لأحَد أصدقائك فقَدْ تخسر الاثنَيْنِ.
٢- عِندَما تقرض شخصًا مبلغًا من المال اِجْعلْهُ يعرف أنَّ سدادَ هذا القرض يَجِبُ أنْ يصبحَ أولويَّة، ويَجِبُ تحديد موعد نهائي للسَّداد لِتجنُّبِ أيِّ سُوء فَهْمٍ.
٣- إذا كان لدَيْكَ أيُّ نَوْعٍ من التَّدهوُر المالي الشَّخصي في الأُفُق.. لا تَقْرضِ المالَ لأفراد الأُسرة أو الأصدقاء.. أخبِرْهم بأمانةٍ أنَّ لدَيْكَ وضْعًا ماليًّا ضعيفًا، ولا يُمكِنك توفير المال.
٤- كمُقرضٍ لشخصٍ لا تُفكِّر في المقترض الخاصِّ بِك كخادمٍ لك. وإذا شعرتَ بأنَّه خاضعٌ لك فحاولْ مساعدتَه في تخفيف الانزعاج.
٥- اِقْرِض مَن تثقُ بأنَّه سوف يُسدِّد لك من دُونِ أنْ تطلبَ مِنْه ذلك.
في النِّهاية أخي العزيز.. لا ينبغي أنْ يُقاسَ حبُّك لعائلتِك وأصدقائك بِكرَمِك.. إذا لم تقرضْهُم المال فقَدْ تخلقُ مشاكلَ بَيْنَك وبَيْنَهم. وإذا أقرضتَهُم المال فقَدْ لا تستعيدُ مالك أبدًا وستجدُ نَفْسَك مستاءً مِنْهم، وحينَها ستخسرُ أصدقاءَك وأموالَك في الحالتَيْنِ.
وإذا كان من الضَّروري أن تقرضَ المال لشخصٍ قريبٍ مِنْكَ وعزيز عَلَيْك، فتأكَّدْ من أنَّ القرضَ ليس مفتوحًا.
وفي ختام هذه المقالة.. إنَّه لَموقفٌ محرجٌ لأنْ توضعَ فيه حينما يُطلَب مِنْك المال من قِبل صديق أو فرد من أفراد عائلتك.. وقَدْ يَعنِي تعامُلَك معه بشكلٍ غير صحيح نهاية تلك العلاقة. لذلك فكِّرْ مسبقًا في الموضوع بتمَعُّن، وتأكَّد من القيام بالتَّواصُل الفعَّال؛ لأنَّ إقراضَ وردَّ المال لأحَدِ الأقارب أو الأصدقاء يُحدثُ شرخًا في العلاقات، ويُسبِّب المزيد من التَّوتُّر بَيْنَ الطَّرفَيْنِ، فضلًا عن تولُّد العديد من المشاعر السَّلبيَّة مِثل الغضب، والنَّدم، والإحساس بالذَّنب.
محمد الكندي
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن