الجميع “مديونير”

سعيد بن مسعود المعشني
يعاني المشهد الثقافي العُماني المحلي من حالة جفاف مزمن، ليس بسبب نقص المثقفين والمبدعين، ولكن نتيجة قصور في نوعية الدعم والأنشطة. ومع ذلك، عندما يشارك المثقف العُماني في المسابقات والأنشطة الثقافية الخليجية والعربية المرموقة، فإنه يبزُّ أقرانه ويحقق المراكز الأولى المتقدمة.هؤلاء الذين يبدعون في مختلف المجالات الثقافية والأدبية، والذين نشاهدهم على الشاشات الخليجية والعربية وهم يشرفون عُمان في كل محفل، قد يفكرون ألف مرة قبل أن يشاركوا أو يتواجدوا في أي منشط أو عمل ثقافي أو فني محلي.وعطفًا على ذلك، ولأننا في رمضان (نسميه نحن في لغة عرب الجنوب “الحشيم”، بمعنى المحترم)، وجريًا على العادة، فقد أنتج تلفزيون سلطنة عُمان هذا العام مسلسلًا يُفترض أنه كوميدي، يحمل عنوانًا ملفتًا: “المديونير”.المسلسل، الذي نُجبر على مشاهدته يوميًا، نظرًا لأن الصائم يجد صعوبة في تغيير ما يُعرض أمامه بعد أذان المغرب، خصوصًا مع انشغال بقية الشاشات الخليجية الأكثر مشاهدة ومتابعة بالبث الديني قبل الأذان، لا يحمل من الإبداع -في رأيي المتواضع- إلا اسمه وعنوانه.فكلمة “مديونير” أجدها معبرة جدًا عن واقع كل رب أسرة في هذه الأيام، إذ نجد أنفسنا جميعًا متسمرين أمام الشاشة، على أمل أن نجد وصفة يجود بها العبقري الذي كتب المسلسل، تخرجنا من فئة “المديونيرات” إلى رحاب “المليونيرات”. وعلى هذا الأمل، يبدو أننا نمضي إلى نهاية الشهر الفضيل، هذا إن منَّ الله علينا بالصحة والعافية.فهناك مشاهد وفواصل وحوارات في المسلسل قد تفجِّر مرارة بعير، فما بالك بمراراتنا المتهالكة التي نحملها بين جنباتنا؟ما أحزنني، أكثر من أي شيء آخر، وأنا أتابع حلقات هذا المسلسل يوميًا، هو مشاهدة قامة فنية مبدعة مثل الفنانة فخرية خميس، وهي مضطرة -من باب الوطنية- إلى المشاركة في مثل هذه الأعمال الفقيرة مضمونًا، والسيئة إنتاجًا وإخراجًا.فالأعمال الفنية المحلية، التي تُنتجها وزارة الإعلام بين الحين والآخر، ويشارك فيها بعض النجوم العُمانيين، لا تكون مشاركتهم بدافع الحب للعمل أو العائد المادي الهزيل من ورائه، ولا بسبب القيمة الفنية للنص، بل رغبة منهم في الظهور على شاشتهم الوطنية دعمًا للإنتاج المحلي.غير أنهم يُصدمون في كل مرة، مثل حالنا نحن المتابعين، بأن أغلب هذه الأعمال المكررة موسميًا تحصرهم في قوالب نمطية مكتوبة بطريقة رديئة، وبإنتاج ضعيف حنتير، وبمشاركة وجوه مغمورة، يظهرون ويختفون بسرعة دورة حياة الفطر البري.