ذكريات من مطرح في ١٩٧٣.. مطرح التي تسكن قلوب الجميع

*حسن بن علي البلوشي *
——————
تسكنني الأمكنة القديمة وأبنية الطين والجص وروائح الأسواق تعبق في نسماتي تشدني الخناجر يتمنطق بها كل عماني يخرج من بيته والعمائم الزاهية على روؤس الطيبين ذلك الجيل الذي تنزل حبات العرق من جباههم ك لؤلؤ منثور تسيل على سمر السواعد التي تنحت في جلمود الصخر لتأكل السائغ من الرزق الحلال ، هكذا كنت أرى ذلك في سوق مطرح مستهل السبعينيات عندما نزلت من الكروزر بمعية والدي في الشجيعية ،، الإستيشن ،، موقف السيارات ، ومن هناك في زقاق ضيق دخلنا الى عمق سوق مطرح درة أسواق عمان زحام شديد بإيقاع سريع ، البيدفورد واللاندروفر والكيول يزاحمن حمالية سوق مطرح على نقلات جواني العيش والقهوة .

عمارة طالب بن محمد الزكواني ..
كأنها شوكة ذهب خالصة تسكن عنق فاتنة بيضاء تسر الناظرين ، هكذا هي في مطرح ذلك الزمان تكتنز بتلك البناية المحال التجارية من كل صنوف تمتلئ رفوفها بالملبوسات والمشغولات ، حولها يقف بائع شربت الليمون ينادي ،، باريييييد لما الشّكر ،، بارييييد وبجانبه مرجل الدنجو يفوح ،، ساخن دنجو ساخيييين
معظم الأكلات الشعبية اللذيذة حاضرة في سوق مطرح ، تعد وتقدم ساخنة لمرتادي السوق ، الى جانب ثمار الفاكهة المحلية الأمبا والموز والسفرجل والبيذام تعطر روائحها المكان ، قُدِّرَ لي أن أدخل بناية طالب وأتغدى بصحبة ولده الكريم زميلي خالد بن طالب الزكواني عندما كنا طلبة في الأول الثانوي بمدرسة الإمام جابر بن زيد عام ١٩٨١ م
لأعرف قصة تشييد تلك البناية وإصرار صاحبها على أن تكون أحد معالم مطرح البارزة للعيان بماتحويه من طوابق ومشربيات وإطلالات جميلة على سائر حارات مطرح الجميلة وقلاعها العلية .

محمد بن عبدالله ( ديزل ) ..
في منعطف من بناية طالب فوجئت برجل ضخم البنية ، سحنته نحاسية مفتول الساعدين شد إنتباهي بهيأته الجسمانية الضخمة وسمار لونه ونظرات عيونه الحادة ، يجلس على ناصية محل يضع رجلاً فوق أخرى متربعاً في جلسته سألت والدي عنه فأجابني هو ديزل ..محمد بن عبدالله (ديزل) الذي يحمل على ظهره ما لايستطيع حمله بقية حمّالية سوق مطرح ، ينقل مكائن الديزل الكبيرة ليستر وغيرها من داخل (حفيسات) موسى عبد الرحمن في سوق مطرح يحملها على ظهره الى موقف السيارات في الشجيعية ، منذ ذلك الوقت ترسّمت صورته العنفوانية في ذاكرتي ، يملأ ذلك الرواق ضوضاء جميلة بسوالفه وحكاياه المشوقة الممزوجة بالفكاهة والسخرية المحفزة للتجار والمتسوقين .

*محلات سيف الراشدي لبيع الدراجات الهوائية *
في الجهة المحاذية لمحل ديزل يبيع سيف الراشدي الدراجات الهوائية الريسز والبيلون وقطع غيارها وبعض الأدوات الرياضية هو الأول بين المحال التجارية يبيع السياكل ذلك الزمان تبرق عيوننا ونحن نشاهدها مصطفة تلمع رنجاتها وإطاراتها كالكحل المعتّق ، السعيد من لديه بيلون أو ريسز ذلك الزمان الحافي .

مطعم السلطنة ..ومطعم شمس ..
في الشجيعية يقع مطعم السلطنة المعروف لدى أصحاب سيارات الأجرة والعبرية ، وخلف بناية طالب يقع مطعم شمس سمي كذلك نسبة الى نادل المطعم ، وهو نفس المطعم الذي يفضله لاعبي نادي قريات لتناول غداءهم فيه عندما يلعبون مبارياتهم في مسقط ..
حارة جيدان ..
حارة جيدان غير بعيدة عن عمارة طالب في مطرح وهي تزهو بخيرة سكانها من عمالقة الإذاعة العمانية الشيخ عبدالله بن صخر العامري وأخوه ذياب الذي لمحته ذات مرة يخرج من سكة جيدان يشق طريقه في سيارة ذهبية مكشوفة تناظره العيون وتسرح مع من يركب الى جانبه القلوب يجتاز محل المكسرات المعروف عند ناصية الشارع مزهو يعلو محياه الرضى والإبتسام .

قهوة الرحبيين لا تبرد ..
قبالة بناية طالب في مدخل سوق مطرح جنوبا يضوع عبق القهوة السيلانية والعدينية من دكاكين الرحبيين ، تعطّر رائحة البهارات والهال فضاءات سوق مطرح الغادي عندهم والرايح يتذوق فنجان قهوة يرد رأسه قبل الولوج الى داخل السوق .

دكان عبد الحسين
نواصل مسيرنا لنصل الى وسط سوق مطرح عند الصيدلاني عبد الحسين منه يشتري الوالد لدكانه في قريات دواء قطع الحمّة ،، كنين ،، الذي يكثر الطلب عليه ، وأسبرين وفاملكس وماء الغريب وماء الرضيع وغيرها من الأدوية المعروفة ذلك الزمان .

دكان بَركَتْ الفارسي ..
وغير بعيد عنه محل الفارسي بَركَتْ يبتاع منه اللبان والصمغمر والصندل والزعفران وسكر قلام وجوز بوّة وسكر بلوج وسنامكي .

دكان مراد الزدجالي ..
يبيع ما لايبيعه الآخرين من الأعشاب والأدوية الشعبية بنت الذهب ، جوهر فضة ، زيبق ، صبر صقطري ، زنجفر ، عبق ، نشج ، شفلوت ، عظم الغلب ، خولنجان ، كف مريم ، وغيرها من الاعلاجات العشبية ، مازال محله قائم حتى الآن ، خَلَفه فيه ولده مصطفى ومعه أولاده الأخيار .

سوق الظلام ..
تنف عطور الورد والصندل من ثنايا دكاكين اللواتيا في سكة الظلام وتلمع من بعيد خيوط مصار الترمة ونجوم الكميم العمانية والمحرجاني والحرير والتوترين والبفته قبل أن تصل الى سكة الذهب هناك السبائك الخالصة والمشغولات من العقود والخلاخل الذهبية مصاغة بإتقان وحرفنة عمانية خالصة منقوشة بذوق رفيع يسلب المقل ومهج العذارى والعابرين .

قهوة حاجيه ..
قبالة سكة الظلام وسكة الفرّاخ والشمّارين يستريح التجار في قهوة حاجيه يحتسون القهوة والشاي مستمتعين بتقاصيف مد البحر الذي تصطدم أمواجه بزوايا سوق مطرح قبل أن يلجوا ونحن معهم الى سكة البانيان ودكاكينهم العامرة بصنوف البضائع ، حيث يتربع بانجيه قبالة دكانه وحوله تنشط حركة الحمالية ينقلون من البخاخير جواني العيش والطحين والسكر والقهوة يرصعونها في البيدفور واللاندروفر والكيول تمهيداً لنقلها الى أسواق عمان في الداخلية والشرقية والباطنة والظاهرة ..

تلكم إطلالة سريعة على سوق مطرح درة أسواق عمان قبل خمسون عام.

قريات ١٥ من أبريل ٢٠٢٥ م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى