“أنثروبولوجيا الاتصال”.. كتاب يستكشف العلاقة بين التواصل والموروث الثقافي

الجزائر في 4 أغسطس /العُمانية/تُسلّط الباحثة الجزائرية الدكتورة يمينة باغور، في كتابها الجديد “أنثروبولوجيا الاتصال”، الضوء على أحد الفروع الحديثة في العلوم الإنسانية، وهو أنثروبولوجيا الاتصال، الذي يعنى بدراسة أشكال التواصل البشري في سياقاتها الثقافية والاجتماعية، سواء كانت لفظية أو غير لفظية، ويبحث في كيفية إعادة إنتاج البُنى الرمزية والثقافية للمجتمعات عبر أدوات الاتصال المختلفة.
وفي تقديمها للكتاب، توضح الباحثة أن أنثروبولوجيا الاتصال تتعامل مع الاتصال ليس فقط كوسيلة تبادل معلومات، بل كأداة محورية لفهم السلطة والتفاوض الاجتماعي، مؤكدة أن الاتصال يتأثر بشكل مباشر بالموروث الثقافي والتقاليد واللغة والرموز، بدءًا من الطقوس والحركات الجسدية، وانتهاءً بالإشارات والسلوكيات اليومية.
وتبيّن الدكتورة باغور أن هذا الحقل المعرفي يجمع بين تخصصات متعددة، منها الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، واللغويات، مما يمنحه قدرة على قراءة الظواهر التواصلية من زوايا متكاملة، تُمكّن من تفسير العادات والتقاليد والسلوكيات الثقافية ضمن الأطر الاتصالية التي تنشأ في البيئات المختلفة.
ويرصد الكتاب التحولات الكبرى التي شهدها الفكر الإنساني في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي ساهمت في نشأة أنثروبولوجيا الاتصال بوصفها استجابة علمية لفهم الإنسان في تعدديته الثقافية والاجتماعية. وقد انتقلت المقاربات من نماذج كلاسيكية تركّز على البُنى الرمزية والدلالية للمجتمعات، إلى نماذج أكثر تفاعلية وسيميائية، ترى في الاتصال ميدانًا خصبًا لتحليل التفاعل الاجتماعي والثقافي.
ويُبرز الكتاب الأدوار التاريخية لحضارات متعددة في إرساء اللبنات الأولى لهذا الحقل، من الحضارات القديمة، إلى الفكر العربي الإسلامي، وصولًا إلى المساهمات الحديثة في الغرب.
وفي ظل التطورات المتسارعة في عالم الاتصال الرقمي، تلفت الباحثة إلى أن هذا الحقل بات مطالبًا بإعادة النظر في بعض مقارباته التقليدية، بفعل التحولات التي فرضتها العولمة، وانتشار الوسائط الرقمية، والذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تغيّر أنماط التفاعل الاجتماعي وبروز تحديات جديدة لفهم الظاهرة الاتصالية في عصر الشبكات.
وفي ختام الكتاب، تقدم الباحثة مجموعة من التوصيات للمشتغلين في ميدان الاتصال، من أبرزها:
تعميق البحث في تأثير الوسائط الرقمية على العلاقات الاجتماعية وتمثلات الهوية.
دراسة آليات تفاعل المجتمعات التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة، وكيف يُعاد إنتاج الموروث الثقافي داخل البيئات الرقمية.
استكشاف العلاقة بين الاتصال والسلطة، لا سيما في السياقات التي تستخدم فيها اللغة والرموز كأدوات نفوذ وهيمنة.
بهذا، يشكل الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال الدراسات الاتصالية والأنثروبولوجية، ويقدّم مقاربة علمية لفهم الأبعاد الثقافية الكامنة وراء أنماط التواصل في المجتمعات المعاصرة.





