الصناعات الإبداعية والثقافية… رافد أساسي للتحول المعرفي وتنشيط الاقتصاد المحلي

مسقط – 11 أغسطس / العُمانية / تلعب الصناعات الإبداعية والثقافية دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد المعرفي والابتكار حول العالم، حيث ازدادت إسهاماتها تدريجيًا مع كل مرحلة من مراحل الثورة الصناعية والتقدم التقني. وتمثل هذه الصناعات مصدرًا هامًا للقيمة المضافة في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز الاستدامة المالية.

تولي سلطنة عُمان اهتمامًا خاصًا بتعزيز الثقافة والتراث والفنون كركائز أساسية للتنمية الوطنية، حيث يتضمن هدف “المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية” ضمن رؤية “عُمان 2040” استثمارًا مستدامًا في هذه المجالات بما يسهم في نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره.

قال الدكتور سليّم بن محمد الهنائي، أستاذ مساعد بكلية العلوم والآداب في جامعة نزوى، إن الصناعات الإبداعية في السياق المحلي تمثل مجموعة من القطاعات التي تعتمد على الابتكار والموهبة الفردية، وتحول الأفكار إلى منتجات وخدمات ذات قيمة اقتصادية. وتشمل هذه الصناعات الحرف التقليدية، والفنون التشكيلية، والأدب والنشر، إلى جانب الموسيقى والسينما والتصميم والإعلام الرقمي.

وأشار إلى التطور الملحوظ في صناعة الخناجر العُمانية والمجوهرات الفضية والنسيج التقليدي، خاصة في ولايات نزوى وصحار. كما شهدت مجالات التصميم الجرافيكي والمحتوى الرقمي نموًا لافتًا، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تطورات في صناعة السينما العُمانية محليًا. ويبرز الجانب الثقافي في فعاليات مثل معرض مسقط الدولي للكتاب ومهرجان مسقط السينمائي الدولي، ما يعكس حيوية القطاع ودوره في دعم الهوية الوطنية والاقتصاد المحلي.

وأكد الدكتور الهنائي أن الصناعات الإبداعية تساهم بشكل متزايد في تعزيز الاقتصاد العُماني وإيجاد نماذج مستدامة بديلة، وخلق فرص عمل إبداعية للشباب في مجالات متعددة مثل التصميم والحرف التقليدية والمحتوى الرقمي، مما يقلل الاعتماد على القطاعات التقليدية.

وأضاف أن هذه الصناعات تعزز السياحة الثقافية من خلال ربط التراث العُماني الأصيل بالمنتجات المعاصرة، وتفتح آفاقًا جديدة في الاقتصاد الرقمي عبر منصات التسويق الإلكترونية المحلية والعالمية. كما تتميز بقيمة مضافة عالية وتكاليف استثمار منخفضة نسبيًا، فضلاً عن توسيع الشراكات الدولية التي تقدم الثقافة العُمانية إلى العالم.

وفيما يخص دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قالت بدرية بنت محمد الفورية، مديرة دائرة ريادة الأعمال بهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إن برنامج “ريادة” يركز بشكل كبير على دعم منظومة الصناعات الإبداعية باعتبارها رافدًا اقتصاديًا وثقافيًا يعزز الهوية الوطنية والقوة الناعمة للسلطنة.

وأوضحت أن “ريادة” يقدم برامج متكاملة تشمل التدريب المتخصص، والإرشاد الفني، وبرامج الاحتضان، والتسهيلات التمويلية، بالإضافة إلى توفير بيئة عمل محفزة تساعد في تحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع مستدامة عبر مراكز ريادة الأعمال المتخصصة.

كما تعمل “ريادة” على بناء شراكات استراتيجية مع الجهات الثقافية والتعليمية والمجتمعية لضمان استثمار التراث الفكري العُماني وتوظيفه في إنتاج محتوى ثقافي متجدد يتماشى مع متطلبات العصر. وأكدت أن الصناعات الإبداعية تشكل فرصة واعدة لتوليد الدخل وخلق فرص عمل وتعزيز التنافسية، شرط توفر بنية تشريعية ومؤسسية ملائمة وتأهيل كوادر وطنية قادرة على قيادة هذا القطاع الحيوي.

من جانبه، أشار مرتضى بن عبد الخالق اللواتي، مدير عام متحف المكان والناس، إلى أن الصناعات التقليدية العُمانية تمثل إرثًا حضاريًا عريقًا نشأ من احتياجات الإنسان اليومية، وارتكز على مهارة الحرفي العُماني وإبداعه ودقته الفنية. وأكد أن هذه الصناعات تجاوزت وظيفتها الأساسية لتصبح تعبيرًا بصريًا وثقافيًا يعكس جماليات الحياة والهُوية الوطنية العُمانية.

وأضاف أن هذه الصناعات تحظى باهتمام واسع لما تمثله من قيمة فنية وفكرية عبر العصور، وساهمت في نقل الموروث الثقافي للأجيال حفاظًا على روح الإبداع العُماني. ولفت إلى أن الحرف التقليدية العُمانية لاقت إعجابًا عالميًا بفضل دقتها وثراء تعبيرها وعمق رسالتها الحضارية، ما يعكس نجاح الصناعات العُمانية في تعزيز حضورها الدولي.

وأكد اللواتي أن تطوير الصناعات التقليدية يجب ألا يمس جوهرها الأصلي، وأن الإبداع العُماني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية الفنية والثقافية التي تميزها. وشدد على أن تطوير آليات الإنتاج خطوة إيجابية لتعزيز الكفاءة، لكن تحويل الرموز التراثية مثل “الخنجر العُماني” إلى منتجات لا تمت بصلة لأصلها يمثل إضرارًا بالموروث الثقافي.

وأشار إلى أن الصناعات التقليدية تحتاج إلى توثيق وترويج كمنتجات ثقافية أصيلة تعكس الهوية الوطنية، وأن دمجها بمنتجات أخرى لا يعد تطويرًا بل انحرافًا عن المسار الإبداعي. وأكد أن الحفاظ على التراث بصيغته الأصلية هو السبيل الأمثل لحفظ الهوية الثقافية.

ونوّه إلى أن الفنون التقليدية من أبرز روافد السياحة الثقافية، وأن الاهتمام بها وتطوير صناعاتها مع الحفاظ على جوهرها يحفظ قيمتها الحضارية والاقتصادية ومكانتها في الوجدان المحلي والعالمي.

من جهته، أكد خالد بن سليمان أمبوسعيدي، صاحب مشروع “نزل المنازل” في حارة العقر بنزوى، أن المشروع حافظ على الموروث الثقافي العُماني دون تغيير، مستخدمًا مواد وألوانًا تراثية تعكس الطابع المعماري العُماني القديم، مع تصاميم نوافذ وأبواب خشبية تقليدية.

وأشار إلى أن مثل هذه المشاريع الإبداعية تعزز صورة إيجابية عن سلطنة عُمان في الخارج، وتُبرز حرصها على المحافظة على التراث وتوظيف الصناعات الإبداعية لتعزيز الهوية الوطنية.

كما أكد أن الحفاظ على التفاصيل الدقيقة في الترميم وتقديم تجربة سياحية ثقافية أصيلة يبرز قدرة الصناعات الإبداعية على بناء جسور بين الماضي والحاضر، ويعزز الانتماء والوعي الثقافي لدى المجتمع والزوار.

وعن تحديات تطوير الصناعات الإبداعية في ظل التحولات الرقمية، شدد على أهمية وجود خبراء مختصين في الترميم وإبراز المعالم التراثية بطريقة تحكي حياة العُماني القديم.

وأشار إلى ضرورة تكامل الجهود المجتمعية والمؤسسية لتوظيف التقنيات الحديثة في التوثيق والترويج، مما يساهم في حفظ التراث الوطني وتحويله إلى مورد ثقافي واقتصادي مستدام.

تجدر الإشارة إلى أن الصناعات الإبداعية تمثل محركًا رئيسيًا في نشر الوعي وتطوير التعليم، وتحسين جودة الحياة من خلال رفع مستويات التفكير النقدي والانفتاح، وتعزيز التنمية المستدامة ورفاه المجتمعات.

زر الذهاب إلى الأعلى