المجهول”.. فيلم عُماني قصير يجمع بين الخرافة والهوية السينمائية

حمود بن علي الطوقي

في بهو فندق الخليج بالمنامة وبين النقاشات التي تثار في مثل هذه الجلسات الودية بادرت بسؤال المنتج العُماني يوسف بن يعقوب البوسعيدي، عن فيلم المجهول كان الحديث عن التجربة الجديدة التي يخوضها مع فريقه في هذا الفيلم القصير “المجهول”. دار النقاش حول مراحل الإنتاج والتصوير، وعن الرؤية الفنية التي انطلق منها العمل، حيث بدا واضحًا أن الفيلم لم يكن مجرد مشروع تصوير، بل مغامرة حقيقية في عالم السينما العُمانية، تستند إلى الإصرار والطموح والرغبة في صناعة هوية بصرية محلية قادرة على الوصول إلى العالمية.

وخلال الحوار، لمسنا في حديث الصديق العزيز يوسف البوسعيدي إيمانًا عميقًا بقدرات الشباب العُماني، وثقة بأن هذا العمل سيكون أحد العلامات الفارقة في مسار السينما المحلية. وقد أرسل لي لاحقًا مقطعًا من الفيلم لمشاهدته، فكان الانطباع الأول أنه عمل جمالي متكامل، يشي بولادة مرحلة جديدة من النضج الفني والرؤية الإبداعية في المشهد السينمائي العُماني.

و في مشهد يُنذر بانطلاقة جديدة للسينما العُمانية، يقدّم المخرج محمد الكندي فيلمه القصير “المجهول”، تجربة جديدة تجمع بين الرؤية الإبداعية المحلية والتقنيات السينمائية الحديثة، لتضع عُمان بثقة على خارطة الإنتاج السينمائي الدولي للأفلام القصيرة. يأتي الفيلم ضمن دعم مبادرة “سكرين عُمان” (Screen Oman) والجمعية العمانية للسينما التي تسعى إلى تمكين المواهب العُمانية وتهيئة بيئة إنتاج متكاملة، مستفيدة من تنوّع المناظر الطبيعية والبنية التحتية في السلطنة.

يحمل فيلم “المجهول” العنوان الفرعي “سر اختفاء موسى”، ويروي قصة شاب يعيش في سبعينات القرن الماضي، يرغب في اكتشاف البحر والمغامرة بعيدًا عن إرث والده الزراعي. تدور أحداث الفيلم بين ثلاثة محاور زمنية: ثلاثون يومًا قبل اختفاء موسى، وثلاثون يومًا منذ اختفائه، ثم الحاضر، في سردٍ يستعرض الصراع بين الحرية الشخصية والتقاليد الاجتماعية، ويستحضر عناصر الخرافة المحلية مثل الجنّ والأساطير الشعبية التي تشكّل جزءًا من الذاكرة الجمعية العُمانية.

ويُقدّم الفيلم شخصيات مركّبة ومتنوعة، أبرزها موسى وصديقه ناصر، إضافة إلى المزارعين وكبار القرية الذين يساهمون في بناء بيئة سردية غنية تمزج بين الواقع والفنتازيا. من خلال هذه الشخصيات، يعكس الفيلم الموروث الثقافي والذاكرة الشعبية العُمانية، ويقدّم تجربة سينمائية تجمع بين التشويق والإثارة مع إبراز المناظر الطبيعية الخلابة التي تزخر بها السلطنة.

على الصعيد الفني، جاء العمل ثمرة جهد جماعي متكامل بين المخرج وفريقه بقيادة المنتج يوسف بن يعقوب البوسعيدي، الذي وضع خبرته في مجال الإنتاج السينمائي في خدمة هذا المشروع، مانحًا إياه بعدًا احترافيًا واضحًا يؤهله للمنافسة في المسابقات الدولية للأفلام القصيرة. استعان الفيلم بعدد من الكفاءات الدولية، من بينها مدير التصوير أبهي مانيو دانج، والموسيقى التصويرية لــ ديب سي، والمونتاج بإشراف شايلش ميندون، ما أسهم في تحقيق صورة بصرية غنية وملهمة.

إن تجربة “المجهول” تمثل نقلة نوعية في مسار السينما العُمانية الحديثة، إذ تفتح آفاقًا جديدة للإبداع المحلي، وتُظهر قدرة صُنّاع الأفلام العُمانيين على تقديم أعمال تحمل الهوية الوطنية وتنافس على المستوى العالمي، كما يعكس الفيلم روح الجيل الجديد من السينمائيين العُمانيين الذين يسعون إلى الجمع بين الأصالة الفنية والتقنيات المعاصرة، لتكون عُمان جزءًا فاعلًا من المشهد السينمائي العربي والدولي بثقة واحترافية.

زر الذهاب إلى الأعلى