رحيل

د. أحمد بن محمد الحارثي
كاتب ودبلوماسي عماني
فعلاً لا أعلم كيف وأين ومتى توقّف قلبك؟ ولا أتذكّر آخر اتصال تم بيننا، أو حتى مناسبته، لكني أتذكّر آخر ابتسامة استقبلتها منك في شانغريلا مسقط ضمن فعاليات أيام مؤسسة بيت الزبير للسرد في نسختها الأولى تحت عنوان «الرواية والسلطة» نهاية العام الماضي 2023، في مصادفة التبست لحظتها بين فرصة حديث عابر معك، وحضور كثيف اعتقدتُ أنك يا أبا محمد ستكون الحاضر والراعي لمثل هكذا فعالية ثقافية، كما سجله تاريخك الطويل في منتديات ومهرجانات ثقافية كثيرة في مسقط والقاهرة وغيرها، لكن ظني وتقديري لم يكن في محله في تلك اللحظة الخاطفة ببهو الفندق، وسبقتني بجملة سريعة، بأنك تنتظر صاحب الفندق والبيت والفعالية.
في هذه الليلة الحزينة، وهي حزينة برحيلك الصادم، وبطقسها وكوارثها الدائرة في قلب الأمة العربية منذ عقود، فتحتُ شريط اللحظات الأولى للمعرفة، سواء في القاهرة، حيث ” تعمّدت ” السلك الدبلوماسي لسنوات، وأسستَ صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي، أو في الرباط، حينَ كنتُ أخطو بداياتي في العمل الدبلوماسي، أو حتى في اللقاءات التي تفرضها بروتوكلات الوضع المجتمعي، تلقيتُ سفرك الأبدي كما لو أن الخبر جانبه الصواب فعلا، أو أن وسائط التواصل الإجتماعي- كعادتها – لا تفرّق بين سمينه وغثّه، أو أن لتشابه الأسماء خديعته الكارثية.
أنا تأكدت الآن أنك سجّلت لنا إسمك وتاريخك وبساطتك وابتسامتك وثقافتك وحضورك الإجتماعي وتجربتك المهنية والحياتية، وغادرتنا.
أنت الذي تمأسست على علوم الدين والدراسة النظامية في سعيدية مسقط، وتصفّحت ملفات العدل والمخطوطات، وفرشت خرائط وزارة الاراضي والبيئة، وقادتك ظروف العمل الدبلوماسي لتكون شاهدا على تداعيات الجامعة العربية وأنشطتها في تونس، ومن ثمة في القاهرة، لتعود مرة أخرى للإشراف على جهاز الرقابة المالية … أنت غادرتنا يا أبا محمد في ليل صائف وصادم وصاعق، فلتنم روحك بسلام.
(لستُ غيري)





