الحرف اليدوية التقليدية في مطرح

بقلم د. حسن الموسوي كاتب وباحث عماني

الزمان – الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين المكان – مطرح *الحداد نافخ الكير -١* *توطئة* : هذه نبذة مختصرة عن صناعة الحرف اليدوية التقليدية في مطرح ؛ وكنت صاحب الحظ أن أرى وأعيش مع بعض هؤلاء الحرفيين التجربة الفريدة في عالم هذه الحرف الرائعة . في زمن كان جل الإعتماد في الصنعة الإبداعية على نفوسنا العالية دون الحاجة إلى اللجو إلى الإنتاج الخارجي . مع التغييرات النوعية التي حدثت في حياتنا اليومية خلال السنوات الأخيرة فلم يبق لتلك الحرف في مطرح شئ من النصيب وأصبحت خبر كان جرفتها الأمواج والرياح حتى تلاشت كليةً من الوجود . وأهم تلك الحرف اليدوية التقليدية في ذلك الزمان هي :الحدادة أو نافخ الكير ✔️صنعة الصفارينصنعة أواني الخزف صنعة مشتقات الخوصصنعة دبغ الجلود صنعة صبغ الأقمشة صنعة الصياغة صنعة النجارة صنعة الخياطة اليدوية وتنجيم الكميم*الحدادة حرفة الأنبياء*‎قال تعالى : ( *يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور* ) سبأ – ١٣*الحداد نافخ الكير*في الخمسينيات من القرن الماضي كان هناك شخصان في مطرح يمارسان هذه الصنعة الشاقة . كان لهما مكان في الهواء الطلق ؛ واحد منهما كان يجلس أمام موقع المدرسة السعيدية والأخر بجانب المدرسة . ولم يكن يحميهما من حرقة الشمس سوى خرق وجواني مشدودة على أربعة أعمدة خشبية لا يزيد إرتفاعها عن متر ونصف . في ذلك الوقت لم تكن المدرسة السعيدية موجودة وكان المكان أرضاً خالية ؛ لذا كانت البرندة لها إطلالة بانورامية على الشاطئ مباشرة والتي بعد ١٩٥٩ فقدت تلك الإطلالة بعد بناء المدرسة السعيدية .*بانوراما تعريفية عن نافخ الكير* فيما أتذكر كان في البداية يوجد نفر واحد يقوم بهذه الحرفة وكان له محل مكشوف بجانب قطعة الأرض التي هي ملكاً للحكومة ؛ والتي رأت هنا النور آلمدرسة السعيدية في مطرح عام ١٩٥٩ . عن هذا الحرفي سيدور الحديث .كان نافخ الكير حرفياً متمرسا ؛ كهلا جاوز الخمسين ؛ لكن الحرفة الشاقة التي يمارسها تصبغ ملامحه قسمات أكثر بكثير من عمره الحقيقي ؛ حبث طغت التجاعيد الكثيره على وجهه الأسمر مع بقع برونزية متناثرة على الوجه ؛ وعينان شاحبتان جاحظتان ؛ أما ما ظهر من جلد اليدين والكتفين فأشد برونزية من الوجه ؛ وكأن حرقة الشمس ولفحة الجمر المتقدة قد إجتمعتا هنا ؛ فزادت به زوداً الغبرة والشحوب ؛ كان ضعيف البنية ؛ يلبس كل يوم نفس القميص المرقع الأبيض الشفاف ؛ ووزار داكن اللون مرقع كذلك وفي أكثر من موضع .*يوم عمل شاق* لم يملك في محله هذا إلاّ ما تحتاجه الصنعة من المنفاخ اليدوي مصنوعاً من جلد الماشية ؛ قطعة حديدة كبيرة يدق عليها بالمطرقة الحديدة ؛ وملقط طويل يمسك بها الحديد بيد والمطرقة بأخرى . يبدأ العمل كل يوم من أول الفجر إلى ما قبل الغروب وليس معه عامل يساعده . يجد نفسه وهو يعمل في سعادة غامرة ولا يشعر بأي كلل أو ملل ؛ ولا بهوب أشعة الشمس في الحر خصوصاً وفي القر أقل ؛ ولا بالنار التي تلفح وجهه وسائر أجزاء جسده . أول ما يبدأ العمل به هو أن يضع عدة قطع من الفحم الحجري على أرض ترابية ؛ ثم يشعل الكبريت في هذه القطع وتبدأ النار بالإشتعال حتى تتلهب وتصير حامية ثم يقلب الجمر رفعاً ثم خفضاً حتى يأتي على كل الجمرات ويمسك بطرف أصابع اليد اليمنى بلوحة المنفاخ وباليسرى بلوحة اخرى ويجمعهما بقوة معا ويعيدها تكراراً فيخرج من نهاية فتحة بوق الكير الهواء قوياً مصوباً إلى الفحم المتوقد ؛ فتتناثر الشرارات المتطايرة في الهواء وفي وجهه . ثم يدس في النار قطعة حديد صغيرة الحجم مرة وأخرى كبيرة حتى يلين الحديد ثم يضاف عليه اللمسات النهائية حتى تخرج له الأشياء المطلوبة والتي يستخدمها الناس في إستعمالاتهم اليومية وتكون أدوات مختلفةً إما مسمارا للأبواب ؛ منجلاً ؛ فأساً ؛ قفلاً ومصاريع الأبواب والمقافيل والمعاليق والمغاليق والكلاليب وغير ذلك الكثير .هذا حال حدادنا في أخر النهار فترى وجهه إكفهر وأغبرّ وشحب وشخط . حرفته في غابة العسرة وشدة الحال ؛ وما ظنكم برجل نهش العرق بدنه حتى بلغ ضرسه ؛ فكيف يكون ؟! فسلام على هذا الرجل الكادح الذي كافح الحياة من أجل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة هو وأفراخه ….. د حسن الموسوي ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٥٣ يوليو ٢٠٢٤

زر الذهاب إلى الأعلى