الهوية البصرية العمانية… ما بين التراث والمعاصرة

د. دينا أبوشال
أستاذ مساعد، تخصص التصميم الداخلي – كلية الزهراء للبنات
في عالم يتّجه بسرعة نحو العولمة والتشابه البصري، تبرز سلطنة عُمان كنموذج فريد في الحفاظ على هويتها البصرية، التي تعكس روح المكان وعمق التاريخ، وتعيد تقديم عناصرها التراثية ضمن سياقات تصميمية معاصرة تنبض بالحياة.
تمتلك عُمان هوية بصرية متميزة تتجسد في معمارها وبيئتها الطبيعية، التي تشكّل أساسًا جماليًا وثقافيًا للمدن والقرى العُمانية. من سماءٍ صافية إلى تضاريس متنوّعة ونباتات محلية، يُترجم هذا المشهد البيئي الغني إلى معمار متناغم مع المحيط، حيث تألّقت تصاميم المباني بالألوان الهادئة، لا سيما الأبيض، لتخلق توازنًا بصريًا مع الجبال البنية والنباتات الخضراء والسماء التركوازية، فتتشكل لوحة فنية خلابة خطّها الخالق عزّ وجل.
ولأن الطبيعة في عُمان بهذه الفرادة، فإن مسؤولية المعماري تزداد. فالحفاظ على النسق العمراني دون تشويه بصري بات ضرورة ثقافية وجمالية، لا تعني الجمود أو التمسك بالماضي، بل تعني حماية ما يميز الشخصية العُمانية من تفرّد بصري وثقافي في مواجهة نماذج الحداثة المتكررة.
المعمار العُماني… فن التكيّف مع البيئة
تأثر المعمار العُماني تاريخيًا بالمناخ والتضاريس، من شمال السلطنة إلى جنوبها. ولعل أبرز ما يُميز المباني التقليدية هو استخدام المواد المحلية كالطين وسعف النخيل، والاعتماد على الفتحات الصغيرة للتحكم في الضوء والحرارة، بما يحافظ على خصوصية الداخل ويعزز الاستدامة البيئية. هذا الفكر “التكَيّفي” يُعيدنا إلى تجارب عربية رائدة كالعمارة البيئية للمعماري حسن فتحي، التي تزاوج بين الوظيفة والهوية والثقافة.
في السياق ذاته، ساهمت تأثيرات الحضارات والثقافات الوافدة – الهندية، البرتغالية، واليمنية – في إثراء الذوق العام وأسلوب التصميم، لكن دون طمس الطابع العُماني الأصيل، الذي ظل حاضرًا في الألوان والزخارف والعناصر المعمارية المحلية.
من التراث إلى الحداثة… أمثلة حية من الواقع
التحوّل نحو المعاصرة لم يكن قطيعة مع الماضي في عُمان، بل جاء امتدادًا له. فالتصميم الداخلي العُماني الحديث يستلهم من الطبيعة والبيئة المحلية، مع توظيف الخامات الأصلية كالخشب والحجر، وإعادة تقديم النقوش والزخارف التقليدية في سياقات معمارية حديثة.
ولعل أبرز النماذج على هذا المزج المتوازن هي دار الأوبرا السلطانية بمسقط، التي جمعت بين الفخامة المعاصرة والروح الشرقية في آنٍ واحد، من خلال تفاصيل معمارية مستوحاة من الطراز الإسلامي والعُماني، واستخدام الخشب المحفور، والأقواس، والثريات التقليدية، إلى جانب أحدث تقنيات الصوت والإضاءة.
مثال آخر هو متحف عُمان عبر الزمان في ولاية منح، الذي يوثق التاريخ العُماني بلغة معمارية حديثة، تجمع بين استخدام الحجر المحلي والتقسيم التفاعلي للمساحات. بينما يقدم بيت الزبير نموذجًا للمزج الذكي بين البيوت التراثية القديمة والتقنيات المتحفية المعاصرة.
خلاصة المشهد البصري
ما تقدمه عُمان اليوم في مشهدها البصري والمعماري هو دروس في الوفاء للهوية دون انغلاق، وفي تبنّي الحداثة دون ذوبان. فكل مبنى أو فراغ داخلي جديد يُعيد تأكيد الشخصية العُمانية عبر التفاصيل، الخامات، الألوان، والضوء.
الهوية البصرية ليست مجرد زخارف أو عناصر شكلية، بل هي انعكاس للذاكرة الجمعية، والانتماء للمكان، والرؤية للمستقبل. وعُمان اليوم تقدم نموذجًا ناضجًا لهذه المعادلة، يجعل من عمارتها وتصميمها الداخلي علامة فارقة في محيط إقليمي متغيّر.
د. دينا أبوشال
الأستاذ المساعد بقسم التصميم – كلية الزهراء للبنات
مسقط – سلطنة عُمان





