ويسألونك عن الحكمة العُمانية

حمود بن علي الطوقي
ويسألونك عن عُمان، فقل: إنها الوطن الذي اختار أن يكون صوت الحكمة في زمن الصخب، وجسر السلام في بحرٍ متلاطمٍ بالأزمات. إنها الدولة التي لا ترفع شعارات التدخل، ولا تركض خلف الأضواء، لكنها تحضر دائمًا في لحظات الحقيقة، حين يحتاج العالم إلى صوتٍ عاقلٍ ونزيه.
تابعنا، وتابع العالم أجمع، نجاح الدبلوماسية العُمانية في تحقيق اختراق دبلوماسي لافت، حين قادت وساطة هادئة وفعالة أسفرت عن تفاهم لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن. هذا الإعلان، الذي جاء من مسقط، أطفأ فتيل الحرب وحظي بترحيب دولي وإقليمي.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُمنح فيها السلطنة ثقة الأطراف المتصارعة. فالولايات المتحدة، بقوتها ومصالحها، وجماعة أنصار الله، بشعاراتها وموقعها، اختارتا سلطنة عُمان لتكون الوسيط. وهذا ليس من قبيل المصادفة، بل نتيجة تراكم طويل من المواقف المتزنة، والدبلوماسية الناضجة، والسياسة القائمة على الحياد الإيجابي، وعدم التدخل في شؤون الغير.
المتتبع للمواقف العُمانية يلاحظ أن الحكمة والدبلوماسية العُمانية بَنَت مكانتها لا بالقوة، بل بالثقة. لا بالتحالفات الصدامية، بل بالاحترام. فحين تتحدث سلطنة عُمان، فإنها لا تملي شروطًا، بل تفتح نوافذ للتفاهم المشترك. وحين تبادر، فإنها تبني، لا تهدم. وهذه ليست خصائص تُصنع في المؤتمرات، بل تُزرع في الأرض عبر سنين من المصداقية والعمل النزيه.
ولعل من أبرز الشواهد على الثقة الدولية في الدور العُماني، ما قامت به السلطنة في ملف الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، إذ لعبت مسقط دورًا محوريًا في احتضان المحادثات السرّية بين الجانبين، والتي مهّدت لاحقًا لتوقيع الاتفاق التاريخي في عام 2015. لم تكن مسقط طرفًا في الاتفاق فحسب، بل كانت الدولة التي خططت بحكمة بالغة، ومن خلال تحرك إيجابي، وفّرت الأرضية الآمنة للحوار، وأقنعت الجميع بأن طريق الحل يبدأ من الإنصات والتفاهم، لا من التصعيد والوعيد.
هذا النهج الحكيم لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسيرة قادها السلطان الراحل المؤسس قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – الذي جعل من الدبلوماسية العُمانية نموذجًا يُحتذى به في المنطقة. واليوم، يواصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله – السير على ذات الدرب، مؤكدًا التزام السلطنة بثوابتها السياسية القائمة على السلام، والتعايش، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
الاتفاق الأخير بين واشنطن وصنعاء تضمّن التزامًا من الطرفين بعدم استهداف الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما يفتح الباب أمام تهدئة قد تساهم في استقرار الملاحة، وتخفيف التوتر الإقليمي، وربما، لاحقًا، إطلاق عملية سياسية أوسع.
هذا التوافق، وهذه الوساطة العُمانية، لقيتا ترحيبًا دوليًا وعربيًا من قطر والعراق والكويت والأردن – ولم يكن ذلك مجرّد مجاملة دبلوماسية، بل تعبيرًا صادقًا عن إدراك جماعي بأن عُمان لا تزال تمثّل النموذج المختلف في المنطقة: نموذج الدولة التي لا تبحث عن مكاسب آنية، بل عن حلول دائمة.
وكوننا عُمانيين، فإننا ندرك هذه المواقف الإيجابية التي يُشار إليها بالبنان. وندرك أن عُمان، عندما تقود المفاوضات، فإنها تلقى الترحيب. ويكفيها فخرًا أن الشعوب – لا الأنظمة فقط – تعرف مكانتها وتثق برسائلها.
نعم، نقول بفخر لمن يسأل عن عُمان ويسأل عن مواقفها ومكانتها: إنها دولة تؤمن بأن العدل أساس السلام، وأن الحوار سبيل التفاهم، وأن احترام سيادة الآخرين هو الطريق الأضمن لصون السيادة الوطنية.
حفظ الله عُمان وقائدها المعظم، ورفع شأنها ومكانتها بين الأمم.





