أرياف ظفار خارج القانون: من المسؤول؟

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

في كل مرة تغيب فيها المسؤولية، أو يغيب الإحساس بها، يتصدع بنيان الأوطان، وتفقد المجتمعات رؤيتها نحو المستقبل، وتعمّ الفوضى. والفوضى، كما هو معروف، لا تنشأ من فراغ؛ بل تبدأ من لحظة تنصّل المسؤول من واجباته، وغياب الوعي لدى المواطنين أفرادًا وجماعات، فلا تجد رشيدًا بين جموع تتنازع لتحقيق مصالحها الآنية على حساب المصلحة الوطنية العليا.
هذه المقدمة ليست إنشاءً، بل ضرورة لفهم ما يجري من تعديات على الأرض والبيئة في محافظة ظفار. وكأن البعض لم يكتفِ بالتشويه البصري والبيئي الذي طال سهل صلالة، وما خلّفه من أضرار على المناطق المحيطة، حتى امتدت الفوضى إلى الأرياف. هناك، تولّى بعض المواطنين إقامة أحواش ومسوّرات ومبانٍ دون ترخيص، ودون مراعاة للطبيعة أو الأعراف المحلية التي حافظت على هذه المناطق لعقود وقرون.
ورغم أن الواقع لم يكن مثاليًا منذ انطلاقة النهضة، إلا أن السنوات الأخيرة، بعد إلغاء النيابات والمراكز الادارية ضمن إعادة هيكلة مكتب المحافظ، وما تلاه من غياب الرقابة وتباطؤ في معالجة مخالفات السهل، شجّع الكثيرين على زيادة وتيرة تكرار ذات المخالفات في الأرياف، طمعًا في “اكتساب حقوق” مستقبلية على غرار ما حدث في السهل.
تتبدّل الأسماء على المناصب، وتتعاقب الوجوه، وتبقى المشكلة ماثلة لا تخطئها عين. بل إن بعض المسؤولين السابقين لم يكتفِ بالمشاهدة، بل ساهم في تأجيج الأوضاع بين الأهالي، فأضاف إلى الزيت نارًا، وزاد الطين بلّة.
لقد أدرك المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله، بحكمته ووعيه العميق، أن لأرياف ظفار خصوصية قبلية واجتماعية وجغرافية تستدعي معالجات تراعي الإنسان والمكان والعرف. غير أن هذا الإدراك العميق لم يُترجَم على أرض الواقع كما أراد، ولا كما ينبغي أن يكون.
فالواقع التنفيذي لسياسات استخدام الأرض في أرياف وسهول ظفار يحكي قصة مختلفة، اجتمع فيها الجهل بالحقوق، وتجاهل الأعراف، وتضارب المصالح، مع صمت رسمي، وتواطؤ إداري، ليتحوّل المشهد إلى كرة نار تتدحرج كل صباح في جبال ظفار وأريافها وسهولها، دون رادع أو ضابط.
المفارقة المؤلمة أن الجهات المعنية لم تعالج القضايا التي تطفو إلى السطح كنتائج لهذه الفوضى، لا بالحكمة، ولا حتى بالقانون، بل بممارسات تُنتج مشكلات جديدة، تتكاثر وتعقَّد مع مرور الزمن.
في واقعنا، لا يُنصف صاحب الحق، بل يُعاقَب على صمته بالحرمان. بينما يُكافَأ المخالف بتقنين مخالفته والاعتراف بها. أما من يحترم الإجراءات، فيظلّ ينتظر سنوات – وربما عقودًا – لنيل حقه الطبيعي، بينما تُمنح التسهيلات لغيره، بحق أو بغير حق.
فأي مجتمع يمكن أن يتطور في ظل هذا الخلل؟ كيف نطالب المواطن بالانضباط، ونحن نكافئ المخالف؟! كيف نحمّله مسؤولية إيجاد حلول لمشكلة عجزت مؤسسات الدولة عن تنظيمها؟! في أي دولة قانون تُنتهك القوانين جهارًا نهارًا، دون أن يرفع أحد صوته اعتراضًا على هذا الهدر لحقوق الأجيال؟
لماذا يُترك المواطن ليلعب دور المخالف والمنظِّم والمشرِّع بديلًا عن الدولة؟!
ما يحدث اليوم في أرياف ظفار وسهولها وباديتها من تعديات تشوّه طبيعتها الخلابة، ليس مجرد مشكلة تنموية أو اجتماعية، بل هو انعكاس صارخ لأزمة عميقة في الشعور بالمسؤولية.
والمؤلم حقًا… أن أحدًا لا يريد أن يسأل: من المسؤول؟
لأننا ببساطة… نعرف أن الجواب سيحرجنا جميعًا: مواطنين ومسؤولين.

زر الذهاب إلى الأعلى