ما بعد الشعارات: تفكيك العقل السياسي الجمعي عند العرب

كتب/ سعيد بن مسعود المعشني

لسنواتٍ طويلة، تصدّر القوميون العرب ــ بمختلف مسمّياتهم من ناصريين وبعثيين واشتراكيين ــ المشهدَ السياسي العربي. مرّوا على كراسي السلطة والزعامة، وأمسكوا بزمام الخطاب والمصير، فشكّلوا قطب الرحى في معادلة السياسة العربية. وإن كان يُحسب لجمال عبد الناصر دعمه لحركات التحرر ضد الاستعمار، فإن مغامراته السياسية والعسكرية الرعناء زجّت بمصر، ومن خلفها الأمة، في حروب خاسرة لم تكن مستعدة لها؛ فخسرت كل أوراقها، وكانت النتيجة الحتمية الاعتراف العملي بإسرائيل، والتراجع الجماعي عن الحلم العربي الكبير بالوحدة والتنمية والكرامة.
ثم جاء دور الإسلام السياسي، الذي حُورب في مهده داخل الوطن العربي، فدُفعت طاقاته نحو الخارج، حيث اشتدّ عوده في أفغانستان في خضم الحرب الباردة. وما إن وضعت تلك الحرب أوزارها، حتى ارتدّ إلى الداخل العربي، فكان وقودًا للفوضى والانقسام. ومعه، انخرط الشارع الناقم على كل شيء في موجة من الغضب الهادر، أطاحت بالأنظمة الجمهورية العربية واحدًا تلو الآخر، باستثناء الجزائر التي سبقت الجميع إلى حرب أهلية دامية، خرجت منها سالمة قبل أن تداهمها عاصفة “الربيع العربي” التي أتت على الأخضر واليابس.
اليوم، إن بقي من الأمل شيءٌ للعرب، فهو معقود بدول “الاعتدال العربي”، وعلى رأسها دول الخليج، بما تملكه من ثروات واستقرار ونفوذ. فإن أحسنت هذه الدول توجيه طاقاتها نحو التحديث والتنمية وبناء الإنسان، وتخلّى بعضها عن أوهام الزعامة والهيمنة، ومارست واقعية سياسية ناضجة، فقد تعيد شيئًا من التوازن إلى هذه الأمة المرهَقة بالهزائم، والتي تحتاج إلى وقت مستقطع تعيد فيه توجيه إمكاناتها نحو البناء لا الهدم.
أما إن استمرّ اللهاث خلف الشعارات، وتواصل الاستثمار في السراب، فإن القادم لن يكون سوى مزيدٍ من النكبات وتبديد الثروات في معارك خاسرة لا تُبقي ولا تذر، بينما تتقدّم الأمم الأخرى بخُطى واثقة، وتغرق هذه الأمة في مستنقع التشتت والتيه.

زر الذهاب إلى الأعلى