السميط التركي.. تراثٌ متجدد يروي تفاصيل الهوية اليومية للمجتمع

إسطنبول – 4 أغسطس /العُمانية/يُعد السميط التركي أكثر من مجرد خبز دائري مغطى بالسمسم، فهو رمزٌ ثقافيّ عميق الجذور، وركيزة يومية على موائد الأتراك، لا سيما في وجبة الفطور، حيث يُشكل جزءًا من المشهد الحضري في كل زاوية من شوارع إسطنبول، ويمثل امتدادًا لهوية الناس وذاكرتهم الجمعية.

هذا الخبز البسيط، الذي كان يُعرف قديمًا بـ”خبز الفقير” لسعره المنخفض، بات اليوم علامة فارقة في الثقافة التركية، وحكاية تتوارثها الأجيال منذ قرون. ويعود ظهوره الأول، وفق ما أفاد به المؤرخ التركي المتخصص في التاريخ العثماني إبراهيم بازان لوكالة الأنباء العُمانية، إلى أواخر القرن السادس عشر في بلاط السلطان مراد الثالث، حيث صُنع السميط آنذاك بوصفات دقيقة داخل القصور العثمانية، وكان يعتبر طعامًا فاخرًا في بداياته.

ومع مرور الزمن، خرج السميط من أروقة القصور إلى أفران الشعب، وأصبح وجبة مفضّلة لدى الطبقة العاملة والطلبة، نظرًا لقيمته الغذائية وسعره المناسب. وما لبث أن ترسخ في الوجدان الشعبي، ليأخذ مكانه في الأغاني الشعبية وقصائد الحب، وحتى في السينما، حيث ظهر كمشهد رومانسي يجمع العشاق على ضفاف البوسفور.

ويُعد السميط اليوم من أكثر المنتجات الغذائية استهلاكًا في تركيا، إذ تشير التقديرات إلى بيع أكثر من مليون قطعة يوميًا في إسطنبول وحدها، مما يعكس مكانته الاقتصادية كذلك، من خلال خلق فرص عمل عديدة ودعمه لسلاسل الإنتاج الزراعي، لا سيما في إنتاج السمسم والدقيق.

ولتعزيز هذا التراث الشعبي، تُقيم البلديات التركية مهرجانات سنوية احتفائية بالسميط، يشارك فيها خبازون من مختلف أنحاء البلاد في مسابقات تستعرض مهاراتهم في تحضيره، وسط أجواء من الموسيقى والفرح، ليبقى السميط ليس فقط خبزًا، بل قضية قومية يدافع عنها الأتراك، واحتفاءً مستمرًا بهوية لا تنفصل عن تفاصيل الحياة اليومية.

زر الذهاب إلى الأعلى