موقع “طبقة فحل” الأثري في شمال الأردن.. نافذة على تاريخ الحضارات المتعاقبة

عمّان في 22 سبتمبر /العُمانية/ يُعدّ موقع “طبقة فحل” الأثري واحدًا من أبرز المواقع التاريخية في شمال الأردن، حيث يجمع بين آثار العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية المبكرة، ليشكل مرآةً تعكس تاريخ الحضارات التي توالت على الأرض الأردنية. ويتجاور في الموقع أعمدة رومانية مع أرضيات فسيفسائية بيزنطية، فيما يضفي المنظر الطبيعي المحيط به متعة استكشافية للزائرين.

يقع الموقع على ربوة تطل على غور الأردن، وكان يُعرف قديمًا باسم “بيلا”، ويمتد تاريخه من العصور البرونزية حتى العصور الإسلامية المتأخرة. وتشير الدراسات إلى أن الموقع استُوطِن منذ الألف الرابعة قبل الميلاد، ليصبح نقطة التقاء حضارات متعددة، وازدهر في العصر الهلنستي، قبل أن يندرج ضمن منظومة الديكابوليس في الحقبة الرومانية، ثم تحول إلى مركز ديني مهم خلال الفترة البيزنطية. واستمر السكان في الإقامة فيه حتى زلزال عام 749م، الذي دمّر أجزاء واسعة من المدينة، لكنها صمدت وما زالت تحتفظ بقيمتها التاريخية.

ويُعد المسرح الروماني أبرز معالم طبقة فحل، حيث شُيّد من الحجارة الكلسية المحلية وسع لمئات المشاهدين، مستخدمًا للعروض الدرامية والموسيقية والاجتماعات العامة، ويُظهر براعة الهندسة الرومانية ودقة التخطيط الثقافي للحضارات السابقة.

ويضم الموقع أيضًا معابد بأعمدة كورنثية، وأسواق وشوارع مرصوفة بالحجارة، تعكس قلب الحياة الاقتصادية والسياسية للمدينة في العصور القديمة. كما تشتهر طبقة فحل بكنائسها البيزنطية العديدة، مثل كنيسة القديس إلياس ذات الفسيفساء المزخرفة، وكنيسة الأسقف بول التي تحتوي على نقوش يونانية، والكنيسة الشرقية التي تمثل نموذجًا متكاملاً للبناء الكنسي البيزنطي. وتشير كثرة الكنائس إلى الدور الديني الكبير الذي لعبته المنطقة وربما كانت مقصداً للحج المسيحي في تلك الفترة.

وتكشف بقايا الحمّامات العامة والأسواق والشوارع عن الحياة اليومية للسكان، حيث اعتمدت الحمّامات على نظام متطور لتسخين المياه، وكانت المدينة مركزًا تجاريًا مهمًا لوقوعها عند تقاطع طرق رئيسية، مدعومًا بوفرة الينابيع الطبيعية مثل عين بيلا وعين جديتا، فيما تبقى القنوات الحجرية شاهدة على مهارة السكان في إدارة المياه والموارد الطبيعية.

ويضم الموقع كذلك مدافن ومقابر منحوتة في الصخور تعكس عادات الدفن لدى الرومان والبيزنطيين، وما زالت النقوش والرسومات على هذه القبور واضحة رغم مرور الزمن والزلزال الذي غيّر ملامح المدينة. وتُبرز هذه الآثار صمود المدينة واستمرار أهميتها التاريخية والثقافية رغم التحديات الطبيعية التي واجهتها.

زر الذهاب إلى الأعلى