محطات في سيرة ومسيرة السيد حمود بن أحمد البوسعيدي… باقٍ في ذاكرة زنجبار

زنجبار – الواحة
تقرير زاهر المحروقي
في مدينة زنجبار الحجرية، حيث تتقاطع التجارة بالتاريخ، والدين بالعمران، لا تزال آثار السيد حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي حاضرةً كشاهدٍ على نموذجٍ إنسانيٍّ فريد، جمع بين الثراء، والوقف، والعمل الخيري، وترك بصمةً عميقة في عمران المدينة وسكانها.
ومن خلال ثلاثة مقاطع مصوّرة، يتتبع التقرير محطاتٍ رئيسية في حياة هذا الرجل المحسن، متنقلاً بين فندق ميزينغاني، وبيته في بوبوبو، وبيت ابنته السيدة خولة، ليعيد قراءة تاريخٍ كاد أن يُطوى مع أحداث الانقلاب.
المقطع الأول: فندق ميزينغاني… تجارةٌ في خدمة الوقف
في منطقة ماليندي، يقف مبنى فندق ميزينغاني كأحد أبرز الأمثلة على العمارة الزنجبارية المرتبطة بالاقتصاد الوقفي. تعود ملكية المبنى إلى السيد حمود بن أحمد البوسعيدي، الذي لم يكن رجل أعمالٍ تقليديًا، بل صاحب رؤيةٍ اجتماعية جعلت من المال وسيلةً للبناء لا للتكديس.
وخلف الفندق مباشرةً، ينتصب مسجد السيد حمود، الذي بناه ووقفه في سبيل الله، في دلالةٍ واضحة على الترابط بين النشاط التجاري والبعد الديني في فكر الرجل. وقد شكّل الفندق، إلى جانب مبانٍ أخرى، مصدر دخلٍ ساهم في تمويل أوقافه داخل زنجبار وخارجها، ومنها بيتا الرباط في مكة المكرمة.
⸻
المقطع الثاني: بيت بوبوبو… السكن الأخير والرحيل الهادئ
ينتقل التقرير في مقطعه الثاني إلى منطقة بوبوبو، حيث البيت الذي استقر فيه السيد حمود في سنواته الأخيرة. هناك، عاش حياةً أقرب إلى الزهد، ملازمًا مسجده، بعيدًا عن صخب المدينة الحجرية.
وفي هذا المكان، أسلم روحه بهدوء، ودُفن إلى جوار مسجده، في مشهدٍ يختصر سيرة رجلٍ عاش للوقف، ورحل بجواره. ويُعد هذا البيت شاهدًا على المرحلة الأخيرة من حياة أحد كبار المحسنين العُمانيين في شرق أفريقيا.
⸻
المقطع الثالث: بيت الابنة خولة… امتداد العطاء
أما المقطع الثالث، فيتوقف عند بيت بونجي الذي شيدته ابنته السيدة خولة، الوريثة الوحيدة له، والتي لم تكتفِ بالحفاظ على إرث والدها، بل طوّرته.
ففي هذه المنطقة، وبدعمٍ من والدها، أُحضِر مهندس زراعي تركي يُدعى محمد الأمين، أسهم في تطوير الزراعة، خصوصًا زراعة أشجار الأمبا (المانجو)، التي أصبحت لاحقًا علامةً زراعية في المنطقة. وقد شكّل هذا المشروع نموذجًا مبكرًا للاستثمار الزراعي المستدام المرتبط بالوقف.
⸻
إنسانية تتجاوز الزمن
لم تتوقف إنسانية السيد حمود عند البناء والعمران؛ إذ تشير الروايات إلى أنه أعتق أكثر من 1200 عبد من حرّ ماله، كان يشتريهم خصيصًا ليمنحهم حريتهم، في موقفٍ إنساني سبق عصره، وجسّد القيم الإسلامية في أبهى صورها.
كما امتلك عدة مبانٍ في المدينة الحجرية، من بينها بيت العشور (بيت الجمارك)، والتي صودرت لاحقًا بعد انقلاب عام 1964، إلى جانب كثير من أوقافه، في واحدة من أكثر اللحظات إيلامًا في تاريخ الوجود العُماني بزنجبار.
⸻
خلاصة
تعيد هذه المقاطع المصوّرة فتح ملف شخصيةٍ عُمانيةٍ استثنائية، لم تُنصفها كتب التاريخ بما يكفي، لكنها بقيت حيّةً في الذاكرة المعمارية والوقفية لزنجبار.
إنه تاريخ السيد حمود بن أحمد البوسعيدي… تاريخ رجلٍ آمن بأن المال رسالة، وبأن الوقف حياةٌ لا تنتهي.





