فيلم “ناقة”… والمتمرد بلا قضية

بقلم /محمد الشريف

قبل أن نبدأ في الحديث عن هذا العمل السينمائي المميز “ناقة” من اخراج مشعل الجاسر، لا بد من التذكير أننا أمام مخرج وكاتب سعوديٍّ موهوبٍ وجريءٍ، وفي نفس الوقت مثير للجدلَ. واكتسب حرفيته السينمائية من خلال أفلام قصيرة على اليوتيوب وهو جزء من استوديوهات تلفاز 11، التي تعتبر المحرك الرئيس لصناعة السينما في السعودية في السنوات الأخيرة، سواء من الناحية التجارية من خلال فيلم “سطار” أو عن طريق أفلامها المستقلة مثل فيلم “مندوب الليل” وفيلم “ناقة.” ومشعل الجاسر على حد علمي المخرج الوحيد في السينما السعودية، اللي يعتمد دائمًا في أعماله على أسلوب الصدمة في سرد الحدث الدرامي في المشهد ليثير التفكير عند المشاهد، ودائما ما يسخر التقنيات البصرية والصوتية لتقديم جرعة استفزازية وجريئة للمشهد، يتحدى بها السائد، ويتجاوز الحدود الفنية لجيله ليترك تأثيرًا على المشاهد، ينتج عنه أحيانا ردود أفعال صادمة تجعل المتلقي يأخذ موقفاً إيجابيا أو سلبيا. لذلك لم استغرب الانقسام في الآراء حول الفيلم في منصة إكس. أما من الناحية الفكرية، يمكن أن تختلف مع الجاسر في العديد من مواقفه؛ لأنه ببساطة ثائر بلا قضية محددة، ولكن في النهاية يجب أن تحترم فنه. لأنه يروي قصته بجرأة عالية تخاطب العقول، ولا تثير الغرائز وإن كانت أحيانا تتجاوز التقاليد والأعراف المجتمعية. فيلمنا “ناقة” يتحمل قراءتين واحدة عادية مثل بقية الأفلام السعودية تصنف الفيلم على أنه تجاري بين الإثارة والكوميديا والتشويق، وقصته باختصار تتناول يوم في حياة فتاة مراهقة تتقطع بها السبل عقب حضورها حفلة سرية في مخيم خارج الرياض مع صديقها بدون معرفة أهلها، وتجد نفسها مجبرة على مواجهة مواقف صعبة تمنعها من العودة لمنزلها خلال نفس اليوم. وهناك قراءة ثانية تحتاج إلى تركيز؛ لأنها عميقة تعكس مواقف المخرج الفكرية من مظاهر اجتماعية وأيديولوجيات كانت موجودة في الماضي في مجتمعه المحلي منها ما هو ظلامي، ومنها ما هو رجعي (مثل شخصية الأب والشاعر)، لذلك ستلاحظ التبرير المستمر لتمرد بطلة الفيلم سارة (أضواء بدر) على أعراف مجتمعها وهي الشخصية التي تقوم عليها الأحداث، (وأظن أن مشعل الجاسر كتب شخصية سارة لتكون جزءاً من روحه المتمردة والثائرة بكل ما فيها من تناقضات.( وللأسف هذا جعل للقصة تفرعات بعضها عميق، في فيلم يفترض أنه تجاري بسيط، وكل هذا كان على حساب تسلسل السرد للأحداث، فحمل الفيلم أكثر مما يحتمل. خاصة أن المشاهد البصرية تحولت لاستعرض عضلات المخرج الفنية ومواقفه الفكرية، وكان ممكناً اختصار بعضها وتركيزها لتسريع الإيقاع وخدمة الدراما، وعموما كل هذه المشاكل طبيعة لمخرج لم يعمل مساعد مخرج مع مخرجين أكثر خبرة منه ومتمرسين، وتعلم السينما والإخراج من اليوتيوب، ورغم كل هذا يعتبر فيلم “ناقة” أحد أفضل الأفلام السعودية في العقد الأخير. [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى