بالصور.. وادي المعاول بسلطنة عمان.. شريان ينبض بالحياة والذكريات


 
كتبت / ميس رضا
كاتبة وصحفية مصرية

الوقوع على الذات مغامرة أن تتلمس بعض الأماكن ذواتنا فهي ليست صدفة ولا من فراغ، فبين تارة وأخرى تداهم بعض الأماكن روح زائريها فقد يراها البعض في وصفها كنمطٍ سرديّ يمحو الحدود بين أجناس الكتابة, إلى الكتابة بلغة العشق الصوفي, أو البوح الدرامي الرومانسي المرهف, وآخرون يرون وصف المكان يبعث  أصواتًا وأصداءً تتعالى من أزمنة مضت لتتقاطع وتتشابك مع الزمن والحاضر…  أنها ولاية وادي المعاول بسلطنة عمان .


تعد ولاية وادي المعاول إحدى ولايات محافظة جنوب الباطنة بسلطنة عمان تحدها من الشمال ولاية بركاء ومن الجنوب ولاية العوابي ومن الشرق ولاية نخل ومن الغرب ولاية الرستاق ، وتبعد عن مدينة مسقط حوالي 115كم، فما بين المسافة من العاصمة وصولا إلى وادي المعاول يأسرك الطريق بتعريجاته ومنحاياته المرتسمة بالذاكرة والتي تأبى؛ أن تسمح للزمان مسح أثارها.


وتضم الولاية عددا من القلاع والحصون والأبراج، أهمها : قلعة “السفالة” الواقعة في بلدة “أفي” والتي اتخذتها الولاية شعارا لها، كما توجد قلعة أخرى في بلدة “مسلمات” وثلاثة حصون هي : بيت مطمع-العلاية-الخندق-وحصن حبرا، وسبعة أبراج : الحجرة-العوينة-شامس-زاهر-العيون-وبرج اللاجال، إما الأفلاج فيوجد منها 22 فلجا تتوزع على كافة أنحاء الولاية، وأهمها: الحديث-الواشحي-ابو حلفة-الزوردي. إلى جانب عين الشلي في بلدة “أفي”.


وما بين قلاعها وأفلاجها وأبراجها حكايات تاريخية نسجها الأجداد فلكلّ جدارٍ عتيقٍ قصة، لا يعرف حقيقتها سوى أصحابها، فالذكريات التي يعيش على أوتارها الأجيال الحالية ستبقى كالحكايات لا ينقصها العمر، تمرّ من كلّ الأزمنة، ملامحها تتناقل كالنصوص وتسرد في الروايات.


ولأن الحنينُ كالدمِ لا يتوقف عن النبضِ في أوردتِنا كما الحياة، نخوص في جولة  إلى حجرة الشيخ  بولاية وادي المعاول بمحافظة جنوب الباطنة وهي إحدى الحارات العمانية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ العماني الأصيل والتي تعد من مكنونات التراث الخالد ، وتظل شاهدة على إبداع وهندسة الإنسان العماني في البناء والتعمير منذ القِدم، فالحارة مُحاطة بسور يصل ارتفاعه خمسة أمتار تقريبا بني من مادة الطين ويستند إلى قاعدة من الحجر الصلب تم بناؤه بشكل هندسي ليتناسب مع مستويات طبقات الأرض التي شيد عليها. وبالحارة أربعة أبراج قديمة يصل طولها إلى مترين تقف على أكتاف وأطراف السور ، وتعتبر من الدفاعات والتحصينات الرائعة من حيث طبيعة بنائها وموقعها، وأبرزها وأعلاها البرج الذي يقع في الجهة الشمالية الشرقية من الحارة ويسمى البرج الوسطي أو برج الحديث ولا يزال يحافظ على ثباته وهيكله من الناحية الإنشائية ، أما عن الأبراج الثلاثة فلم يتبقَ منها إلا الشواهد وبقايا صمدت أمام عوامل الطبيعة وقلة الصيانة.


للحارة ثلاثة مداخل سابقا هي الباب الحدري والشرقي والبوابة العلوية. ويتميز الباب الرئيسي لحصن حجرة الشيخ بقواعد وسهام فولاذية لأغراض دفاعية وجمالية ويسمى باب الصباح. وكان بها سوق طولي يحوي عددا من المحلات القديمة أو الدكاكين. وقد ساهمت حجرة الشيخ الأثرية قديما في الكثير من الأحداث التاريخية وذُكرت في عدد من المصادر والمراجع. وقد تخلو من المنازل المأهولة اليوم إلا القليل مما جاورها.

وتعد حجرة الشيخ بقرية ” أفي ” من الحارات القديمة التي سكنها الأولون من عشرات السنين ولكنها هجرت منذ سنوات ليست بالقليلة، كما تتضمن مبانيها نقوشا جميلة تزين الأبواب الخشبية وأسقف المنازل، وتعتبر من المنازل الفاخرة قديما ويتكون أغلبها من طابقين. ومما يؤسف له اندثار الكثير منها، وقد تم هدم وإعادة بناء بعض المنازل بالمواد الحديثة.

هذا ويمر بالحارة فلج الواشحي الذي يغذي البساتين الخضراء بالمياه العذبة طوال العام، وتقف شجرة الصبار إلى اليوم بجذعها المتين وهامتها العالية كما توجد شجرة الزام وغيرها. وتجاور حجرة الشيخ بقرية أفي قُرى حجرة الخارج والفرهم والمصرجية ومقصورة السوق ونصا وغيرها.


كما يوجد متحف المريغة والذي يعد وجهة سياحية وثقافية من وجهات الولاية ومحطة من المحطات التي يقف عندها الزائر.  

وتحظى ولاية وادي المعاول بالكثير من الخدمات التنموية المستدامة وبنية تحتية متميزة جعلت منها مركزاً للاستثمارات .

ومن الآثار المعروفة بوادي المعاول (بيت الخندق) ذلك البيت الأثري الذي يظل شاهداً على إبداع الأيادي العمانية منذ القدم وقد بُني قرابة عام 1851 من طابق واحد ثم أُضيف الطابق الثاني في عام 1870 بعدها أُضيفت له بعض التعديلات والإصلاحات في عام 1921 وعام 1950؛ حيث يشتهر بيت الخندق بوجود (سبلة الروشن) يجتمع فيها المشايخ والزوار والأهالي قديما ويقع بيت الخندق خارج حدود سور (حارة الحجرة) ويتكون من طابقين وبوسطه فناء وتظهر النقوش القديمة على باب المدخل الرئيسي كما يتميز بالطابع العمراني القديم والأشكال الهندسية وجمال العمارة القديمة وتحيط به المزارع والمنازل كما أنه قريب من سوق القرية ويمر الشارع المعبد بجانبه ويزوره عدد من السياح ومحبي الآثار والتصوير.


كما يحتضن وادي المعاول  قرية “مسلمات” بجنوب الباطنة، إحدى القرى المميزة بالولاية؛ حيث ظلت طوال حقب كثيرة حلقة وصل بين قرى الولاية من جهة والولايات المجاورة لها من جهة أخرى، نظراً لموقعها المتميز وبيئتها الجاذبة وحسن تعامل أهلها، فقصدها العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء، وكثير من ذوي المكانة العالية سياسياً واقتصادياً ومنهم من استوطنها لسنوات إما لطلب العلم أو العمل أو غيره.

زر الذهاب إلى الأعلى