الحفاظ على الهُوية العُمانية في الفضاء الرقمي: مسؤولية وطنية يتقاسمها الجميع

مسقط في 6 أغسطس /العُمانية/تجاوزت منصات التواصل الاجتماعي دورها التقليدي في الترفيه والتواصل، لتتحول إلى أدوات مؤثرة في التعبير عن الذات وبناء الوعي الجمعي، وتسليط الضوء على القيم الثقافية والوطنية، ما يجعل من الحفاظ على الهُوية العُمانية في هذا الفضاء الرقمي مسؤولية وطنية جماعية تتطلب تكاتف مختلف شرائح المجتمع.

وتؤكد الدكتورة صابرة بنت سيف الحراصية، الأكاديمية والباحثة التربوية، أن سلطنة عُمان عُرفت بأخلاقها الرفيعة وسمتها الأصيل قبل أن تُعرف بحدودها، مستشهدة بالحديث النبوي الشريف: “لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك”. وتوضح أن هذه الصفات لم تكن حكرًا على الأفراد، بل تجسدت في سياسة الدولة التي توازن بين الحكمة والانفتاح المسؤول، وتقدم قيم الحوار على التصادم، مما أسهم في بناء نموذج وطني متفرد.

وترى الحراصية أن الفضاء الرقمي أصبح اليوم موطنًا لصناعة الذوق العام وتشكيل السلوك، مما يجعل إعادة بث السمت العُماني فيه ضرورة لا تُختزل في التربية، بل تدخل ضمن إطار الأمن الثقافي. وتشدد على أن المحتوى الموجه للأبناء يجب أن يكون نابعًا من هوية راسخة، لا يبتعد عن الروح العُمانية، بل يُعزز قيمها ويقدمها بلغة عصرية تستوعب الجيل الحالي.

وأضافت أن السمات العُمانية، كالتهذيب والتسامح والتعايش، يجب أن تنعكس في النقاشات الرقمية، وأن يتم تقديمها بأسلوب يحترم التنوع ويرتقي بالحوار. وأشارت إلى أن التسامح العُماني لا يعني التنازل، بل يدل على النضج والرقي الإنساني.

كما أكدت أن الأسرة تمثّل الحصن الأول في ترسيخ الذوق الرقمي وغرس القيم، مشددة على أهمية الحوار والشراكة داخل البيت، وحضور القدوة الرقمية من الوالدين، حيث يتأثر الأبناء بالممارسة أكثر من التوجيه اللفظي. ودعت إلى تمكين الأبناء من إنتاج المحتوى بأنفسهم لتعزيز ارتباطهم بهويتهم، بالإضافة إلى تأسيس مكتبات رقمية أسرية تزوّدهم بالمحتوى القيمي المفيد.

وترى الحراصية أن المؤثرين على منصات التواصل يحملون مسؤولية كبرى، فليس المطلوب منهم أن يكونوا خطباء، بل أن يكونوا صادقين وأوفياء لقيمهم، وواعين لتأثير كلماتهم، لأن كل منشور قد يشكل وعي شخص أو يؤثر في سلوك مجتمع.

من جانبها، تؤكد الدكتورة أمل بنت طالب الجهورية، الباحثة في الشأن الإعلامي والثقافي، أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الهوية العُمانية ذو وجهين؛ إذ يتوقف الأمر على نوعية المحتوى. فهي يمكن أن تكون منبرًا لتعزيز الهوية والانتماء، أو مصدرًا لتحديات تمس الخصوصية الثقافية نتيجة الانفتاح غير المنضبط.

وتوضح أن وسائل الإعلام العُمانية – التقليدية والحديثة – تسعى إلى تقديم محتوى مهني يعكس رؤية “عُمان 2040″، من خلال إبراز الهُوية الوطنية، وتعزيز الوعي المجتمعي، والالتزام بالقيم العُمانية في مختلف المنصات.

وترى الجهورية أن إشراك الشباب في صناعة المحتوى الوطني يُعد من الركائز المهمة، مشيرة إلى ضرورة دعم المؤثرين الشباب وتوفير المسابقات والمختبرات الشبابية التي تخلق منافسة إيجابية. كما أكدت على أهمية مكافحة المعلومات المضللة عبر تقديم محتوى موثوق يعزز الثقافة العُمانية ويدحض الشائعات.

وتدعو إلى استثمار وسائل التواصل لتعزيز الحوار بين الأجيال حول الهوية العُمانية، من خلال إنشاء منصات ومجموعات نقاش تفاعلية تُشرف عليها نخب ثقافية تتيح للشباب التعبير والمشاركة والاستفادة من خبرات الأجيال السابقة.

وفي السياق ذاته، ترى الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي قوت القلوب بنت عزان الحسينية أن هذه المنصات أصبحت نوافذ يومية تُشكل الرأي العام وتفتح المجال أمام تناول القضايا الوطنية. وتشدد على ضرورة أن يكون الناشط الرقمي سفيرًا لقيم وطنه، يُعبر عن الهوية العُمانية بسلوك أصيل ومحتوى مسؤول، لا تصنّع فيه ولا ابتذال.

وتضيف أنها تسعى لتبسيط المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية بلغة مفهومة للشباب دون الإخلال بالدقة، وتعمل على تطوير بيئة داعمة لصنّاع المحتوى الجاد، وتعتبر أن الإعلام الرقمي الاحترافي لم يعد ترفًا بل ضرورة وطنية.

وتحرص الحسينية على أن تكون رسائلها متسقة مع القيم العُمانية، في أسلوبها واختيار موضوعاتها، مؤكدةً أن التأثير في منصات التواصل مسؤولية كبيرة في ظل التحديات المتسارعة، وأن كل محتوى يمكن أن يكون له أثر إيجابي إذا ما ارتكز على وعي عميق والتزام صادق بالهوية الوطنية.

إنّ الحفاظ على الهُوية العُمانية في الفضاء الرقمي ليس خيارًا هامشيًّا، بل واجب وطني مشترك يبدأ من الأسرة ويمر عبر صنّاع المحتوى والمؤثرين، ويتعزز بدور مؤسسات التعليم والإعلام. إنه مسؤولية تتطلب وعيًا وقيمًا راسخة، ليظل السمت العُماني النبيل حاضرًا في كل كلمة تُكتب، وكل رسالة تُنشر، وكل محتوى يُنتَج في هذا العالم الرقمي المتسارع.

زر الذهاب إلى الأعلى