الشعر والسرد: تقاطعات وفضاءات الهوية في الثقافة الحديثة

مسقط في 22 سبتمبر /العُمانية/ في عالمنا المعاصر، حيث تتشابك التجارب الإنسانية وتتداخل الرؤى الثقافية، لم يعد الشعر مجرد كلمات، بل أصبح تجربة وجودية تسعى لفهم الذات والعالم. ومع بروز ما يُعرف بـ”السرد الشعري”، بدأ الشعر يتجاوز تقاليده، مستلهماً تقنيات السرد لإثراء التجربة الإنسانية وتقديمها بعمق وجاذبية.

وفي هذا السياق، يرى الشاعر العراقي الدكتور علي حسن الشلاه أن السرد الشعري يساهم في تشكيل الهوية الفردية والجماعية في عصر الحداثة، ويقول: “تلاشي الحكاية التقليدية وانفتاح الرواية على الوصف الطويل والانثيالات النفسية قد قربها من الشعر، ما أوجد نوعًا جديدًا يجمع الرواية بالشعر. هذا النوع قادر على تمثيل هوية الفرد الشخصية بصدق، لأنه يوثق الانفعالات والعبارات المبهمة التي تشكل عوالم الهوية، بعكس السرد الأدبي التقليدي المبني على صناعة مقننة قد تتيح تحريف الهوية أو تعديلها”.

ويضيف الشلاه أن الشخصي في السرد الشعري، عندما يتجاور مع أعمال مبدعين آخرين، يتحول إلى نسق اجتماعي أوسع، ما يجعل الشعر وسيلة فريدة لتشكيل الهوية الجماعية. ويؤكد أن السرد الشعري يمثل هوية الروح والمشاعر، بينما يبرز السرد الأدبي الهوية القومية والشكلية. ويشير إلى أن الشعر يبقى أداة الحفاظ على الإنسان والهوية الإنسانية في زمن سيطرت فيه التقنية على سرد التاريخ والمجتمع.

من جهته، يرى الشاعر العُماني يحيى اللزامي أن الشعر الحديث يتداخل فيه الماضي بالحاضر، وتتقاطع فيه الذكريات مع اللحظة الراهنة، ما يتطلب دراسة المصطلحات الأدبية بعناية لفهم المعاني والظلال الدلالية، ويضيف: “الشعر أفق واسع للتجريب والتفكير خارج الأطر، وهو وسيلة للدهشة والإبداع، حتى أن القدماء مثل زهير والمتمرسين مثل المتنبي يقدمون نموذجًا على أن الشعر يبقى دائمًا حيًّا في التجربة الإنسانية”.

وتشير الدكتورة الشاعرة المغربية خديجة السعيدي إلى أن السرد الشعري يعكس تجربة عاطفية وفكرية متشابكة، حيث تُستشعر المعرفة والخيال واللغة معًا، ويضيء النص الشعري معاني خفية دون أن يرويها مباشرة، مفسحًا المجال لتأويل القارئ وإعادة اكتشاف الواقع من خلال حساسياته الخاصة.

أما الروائي والشاعر العُماني زهران القاسمي فيبرز دور التراث الشعري الكلاسيكي في تشكيل التجارب الشعرية المعاصرة، مؤكداً أن الشعر الحديث قادر على التجريب مع الحفاظ على جذوره الثقافية، مستفيدًا من إرث الأدب العربي الغني عبر العصور، مثل أعمال أدونيس وقاسم حداد، مع التأكيد على أن الأدب تراكم معرفي متواصل، يربط الماضي بالحاضر ويعيد إنتاج الهمّ الإنساني عبر الأزمنة.

زر الذهاب إلى الأعلى