ليلة «يلدا».. أطول ليالي العام تتحول إلى احتفال ثقافي متجذّر

طهران في 22 ديسمبر 2025 /العُمانية/ تحيي إيران وعدد من البلدان التي تشترك معها في الإرث الثقافي تقليدًا عريقًا يعود إلى عمق التاريخ، يتمثل في الاحتفال بليلة «يلدا»، التي تُعد أطول ليلة في السنة، وتحمل دلالات فلكية وأسطورية وثقافية واجتماعية ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية حتى اليوم.
وتبدأ ليلة يلدا مع غروب شمس الحادي والعشرين من ديسمبر وتستمر حتى فجر اليوم التالي، وهي الليلة التي تسبق أقصر أيام السنة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وتمثل فلكيًّا نقطة تحوّل، إذ تبدأ ساعات النهار بعدها بالازدياد تدريجيًّا عقب بلوغها أقصر مدة لها.
وقال علي رضا أمجدي، الباحث الإيراني في التراث الثقافي، في حديث لوكالة الأنباء العُمانية، إن التداخل بين الظاهرة الفلكية والأساطير القديمة والدلالات الاجتماعية والتراثية حوّل ليلة يلدا من مجرد حدث طبيعي إلى مناسبة ثقافية حيّة، تعبّر عن قدرة الإنسان على تحويل أطول ليالي العام إلى رمز للألفة والتلاقي وبثّ الأمل.
وأوضح أن الأسر الإيرانية تجتمع في هذه الليلة عادة في منزل أكبر أفراد العائلة، حيث يقوم الأجداد بسرد الحكايات الشعبية وقراءة الأشعار للأبناء والأحفاد، في مشهد يعكس انتقال الموروث الثقافي من جيل إلى آخر.

وأشار إلى أن الأسواق الإيرانية تشهد قبيل حلول ليلة يلدا نشاطًا ملحوظًا، إذ يقبل الناس على شراء مستلزمات الاحتفال، وفي مقدمتها البطيخ الأحمر بوصفه أحد أبرز رموز هذه المناسبة، إلى جانب الرمان والمكسرات التي ترمز إلى البركة والسعادة والفرح والنماء.
وأكد أمجدي أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أدرجت احتفالات ليلة يلدا ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية باسم إيران وأفغانستان، في اعتراف بمكانتها الثقافية العميقة بوصفها ممارسة اجتماعية حيّة انتقلت عبر الأجيال وما تزال جزءًا أصيلًا من هوية المجتمعات التي تحييها.
وبيّن أن الاحتفال بليلة يلدا لا يقتصر على إيران وأفغانستان، بل يمتد إلى دول أخرى ترتبط بها ثقافيًّا وتاريخيًّا، مثل باكستان وطاجيكستان وأذربيجان وتركمانستان، إضافة إلى المناطق الشمالية من العراق، فضلًا عن مظاهر احتفال مشابهة في الهند وجنوب روسيا، ما يعكس الانتشار الجغرافي الواسع لهذا التقليد القديم.
وحول أصل التسمية، أوضح أن المعاجم الفارسية تشير إلى أن كلمة «يلدا» تعني «الولادة» أو «الميلاد»، في دلالة رمزية على ميلاد الشمس من جديد بعد أطول ليالي العام، إذ تُعد هذه الليلة الأطول سنويًّا، بفارق دقيقة واحدة فقط عن ليالي الشتاء والخريف، وهو تفصيل فلكي أسهم في ترسيخ مكانتها في المخيلة الشعبية.





