أهمية علم الآثار في عُمان

د . هلال الحجري
اكاديمي ومترجم عماني
كثير من الشعوب العربية ومثقفيها لا يرون دول الخليج العربي أكثر من فقاعات نفطية عائمة فوق بحر العرب وبحر عمان، وأنها لا تمتلك حضارة؛ بل إنهم يحصرون حواضر التراث العربي قديما وحديثا في دمشق وبغداد والقاهرة! وربما أسهم إعلام الدول الخليجية عبر خمسة عقود من الزمن في ترسيخ هذه الصورة النمطية بحسن نية تهدف إلى ترويج الواقع الحديث في نفوس شعوب المنطقة، ولم يتنبه لخطورة الأمر إلا مؤخَّرا. ولهذا فإن تمكين علماء الآثار من إجراء بحثوهم ونشر نتائجها على نطاق واسع غاية في الأهمية عسى أن تتفتح أعين الجاهلين بتاريخ المنطقة وعمقها الحضاري. وهنا لا يمكن للمرء إلا أن يتأسف على غياب الوعي الحقيقي بأهمية الدراسات الأثرية في جامعاتنا التي يخلو كثير منها من أقسام علم الآثار، ويتجه بعضها إلى إغلاق الأقسام اليتيمة فيها! وربما لهذا السبب إضافة إلى أسباب أخرى؛ كانت الحفريات الأثرية في عُمان وغيرها من دول الخليج قد تأسست وتطورت على أيدي علماء الآثار الأجانب.
من الأطروحات العلمية الأثرية التي تكشف العمق الحضاري لعُمان، دراسة دكتوراه بعنوان “ترسيم حدود مَجَان: المشهد الاجتماعي القديم في شمال وسط عُمان” قدمها إيلي دولارهايد (Eli Dollarhide) لجامعة نيويورك عام 2019. وهي دراسة تتناول عبر ستة فصول حضارة مَجَان في عُمان وعلاقاتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال التنقيب في موقع “بات” الأثري المعروف في عبري بمنطقة الظاهرة في عُمان، وهو من قوائم التراث العالمي لليونسكو اليوم.
يقول الباحث إن البحث الأثري، منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين، قد سلط الضوء على العصر البرونزي في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية وفي عُمان تحديدا لما يُعرَف في الكتابات المسمارية القديمة باسم “مَجَان”، وكشف عن الروابط الخارجية للمنطقة بجيرانها في بلاد ما بين النهرين وإيران ووادي السند. وقد أراد الباحث أن يقدم منظورًا إقليميًّا بديلاً لهذا الطرح الأثري من خلال فحص العلاقات التي ربطت المستوطنات القديمة في شمال عمان. وعليه؛ فقد أجرى مسحا أثريًّا ودراسةً لقطع السيراميك المتوفرة في موقع “بات” في عبري. يؤكد الباحث أن تحليله الجغرافي المكاني لمستوطنات ومقابر بات يكشف عن مشهد ديناميكي زمنيًّا مع حدود اجتماعية متغيرة. وقد توصل من خلال تحليل المقطع الصخري الرقيق لخمس مجموعات خزفية من هذه المنطقة إلى أنها تؤكد تحول مراكز الإنتاج وتشير إلى تطور شبكات تبادل جديدة في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد. وفي تفسير هذه النتائج، اقترح الباحث إطارا نظريا لشبكات الموائل معتمدًا على كتابات جون موير وإريك ساندرسون، وتوصل إلى أن شبكات التفاعل هذه تكشف عن تنوع التفاعلات بين البيئات الطبيعية والثقافية، وتربط حتى أصغر المجتمعات في شمال عُمان القديمة بشبكات التبادل الإقليمية البعيدة.
في مطلع الدراسة يقول إيلي دولارهايد: “إن ثراء السجل الأثري في عُمان لا يضاهيه إلا كرم الضيافة الذي يتسم به شعبها، وقد استفدتُ من كليهما في عملي”. وهو مُحق في ذلك؛ فهل بعد هذا تتردد جامعاتنا في فتح أقسام لعلم الآثار فيها وتمكين الباحثين العمانيين من اكتشاف حضارة هذا البلد الضاربة جذوره في أعماق التاريخ؟!
#عِلم_العُمانيات
#Omanology





