القسم الداخلي في الوطية عام ١٩٨١

—————
طلبة مدرسة الإمام جابر بن زيد الثانوية
—————-
حسن بن علي البلوشي
—————-
عندما نطوف بالقرب من مدرسة الإمام جابر بن زيد أم المدارس الثانوية في الثمانينيات نتذكر مبنى القسم الداخلي الذي يسكن فيه الطلبة البعيدة ولاياتهم عن العاصمة مسقط ، مجمع سكني ملاصق للمدرسة ،عبارة عن ثلاث طوابق الأول لطلبة الأول الثانوي والثاني للثاني الثانوي أما الطابق الثالث لطلبة الثانوية العامة ثلاث سنوات دراسية من أجمل نزهات العمر قضيناها بين أروقة ذلك القسم الداخلي ، نتنفس عبير الحياة وعنفواناتها نأكل ونشرب وملابسنا تغسل وتكوى وفوق ذلك نعطى خمسة ريالات مصروف لنا يعييننا على شراء مانحتاج اليه من كتب ومستلزمات ، كانت تلك الخمسة ريالات تفيض عن حاجتنا ذلك الزمان الجميل بلحظته وتشاويقه الجميلة بصحبة ذلك الرعيل الجميل الذين تبوأوا فيما بعد مناصب عليا في الحكومة منهم الوزراء والوكلاء والقادة العسكريين والأطباء والمهندسين والإعلاميين المتميزين ، نفاخر بهم زملاء أعزاء .
تذهب بنا حافلة القسم الى سوق مطرح يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع نزهة الخاطر في درة أسواق عمان نشتري ونتفسح على رصيف الكورنيش وعرصات السوق ، نشتري الحلوى والمكسرات من الدكان المواجه لعمارة طالب وبعض المستلزمات ، ونعود آخر المساء مفعمين بالفرح والسرور ، ذلك الوقت كانت المجنزرات والبلدوزرات تصارع سلاسل الجبال الممتدة بين دارسيت وسيح المالح تشق طريقا لمطرح ومسقط رديفا لطريق روي الوطية الذي صار مزدحما بالسيارات ، هدير المحركات يصل الى القسم الداخلي وروائح شعلة فنر وقود محطة سيح المالح تنبعث أحيانا الى داخل غرفنا في القسم الداخلي الذي يجمع طلبة من مختلف ولايات عمان ، كانت أحلى أيام العمر ، ومن القسم الداخلي كنا ننطلق يومي الأحد والاربعاء بعد الغداء الى معسكر المرتفعة للتدريب على الإنضباط العسكري التي كانت مادة أساسية في منهاجنا الدراسي ، هناك تعلمنا الضبط والربط العسكري على أيدي ضباط عمانيين مدربين أجود تدريب ، وفي العشية نعود الى القسم الداخلي في الوطية نكمل فعاليات يومنا المعهودة بالنشاط والمذاكرة الى جانب النشاط الرياضي ، الأستاذ زكي المصري كان مشرفا على القسم الداخلي ، ذلك الرجل شاب شعر رأسه قبل أوانه ، كيف يتصدى لعنفوانات الطلبة المزهوين بشبابهم وطاقاتهم ، غير قاعة مذاكرة الدروس لم تكن وسائل الترفيه متاحة كما هي الآن سوى كرة القدم والتسمر أمام شاشة التلفزيون لمتابعة المسلسل اليومي وفلم السهرة وهناك يأتي من يخلط لنا أحذيتنا ويلقي بعضها بعيدا ، كما لم تكن المقاهي والمطاعم قريبة ، ساندوتشات الشوارمة لاتباع سوى في الحمرية ، تذكرت زميلا لنا فوق دراجته النارية يجلب لنا الساندوتشات مرة في الأسبوع ، عاد ذات يوم معصوب الرأس والرجلين لأنه إصطدم بجناح شاحنة تنقل الإسمنت الى روي فتدهور خارج الطريق ، تلك الليلة لم ينم فيها طلبة القسم الداخلي يواسون مصابنا ويتشكرون له بالسلامة ويدعون له بالشفاء ، أما في موسم القيض فكان الرطب يأتينا من الرستاق والقابل وسمائل وقريات وغيرها من الولايات يجلبها زملائنا الساكنين في القسم الداخلي ، أسرة واحدة كنا ، جمعتنا رفقة الكتاب والقلم في مسقط العامرة بمدرسة الإمام جابر بن زيد أم المدارس الثانوية ذلك الزمان الجميل بلحظته وحراكه العلمي الثقافي ، الى جانب القسم الداخلي في الوطية هناك القسم الداخلي في المعهد الإسلامي الثانوي المجاور لنا يسكنه طلبة المعهد وطلبة الثانوية التجارية ، وفي القرم هناك أيضا طلبة معهد المعلمين يسكنون في قسم داخلي تقام بيننا وبينهم المسابقات الثقافية والمباريات الرياضية في كرة القدم وكرة الطائرة ، تخرج الجميع من أعرق الجامعات في العالم وساهموا في بناء هذا الوطن العزيز فقد كانت البداية من تلك المدرسة التي يديرها بحرفنة وشدة بأس أبوحاتم الأستاذ لطفي فرحان مدير المدرسة أتمنى له دوام الصحة والعافية .
تلكم نبذة يسيرة وتطواف أردت به تذكير من جمعتني بهم زمالة العلم في مسقط العامرة متمنيا للجميع دوام الصحة ونعيم العافية والعمر المديد .
صورة المقال تجمعني بزملاء الفصل الأعزاء
السيد سعود بن هلال والسيد سعيد بن سلطان والزميل إبراهيم الرحبي والزميل عيسى سبيل والإعلامي الزميل خالد الزدجالي والزميل المصور خميس المحاربي والزميل حمد الوهيبي ، حفظهم الله جميعا وسدد على الخير خطاهم .

مسقط ٢٤ من أبريل ٢٠٢٥ م

زر الذهاب إلى الأعلى