إلى محمود عبيد.. العظماء لا يموتون

حمود بن علي الطوقي
ما أصعب أن تكتب عن صديقٍ رحل، وترك في القلب فراغًا لا يُملأ، وفي الذاكرة مقاعد لا يشغلها أحد سواه… أكتب اليوم عن صديق الطفولة والدراسة، عن الرفيق الذي شاركني أولى الخطوات في الحياة، عن الأخ المبدع، الأستاذ محمود بن عبيد الحسني، صاحب القلب النقي، والروح التي لم تعرف غير الحب والوفاء.
عرفته منذ الطفولة، ونحن تلاميذ في مدرسة روي الابتدائية. جمعتنا جماعة الإذاعة والصحافة المدرسية، والمسابقات الطلابية، وكبرت بيننا صداقة كانت أكثر من مجرد علاقة عابرة. كانت علاقة عمر، امتدت لأكثر من خمسة عقود من المودة والعمل المشترك.
دخل محمود ميدان الإعلام مبكرًا، ومنذ أول لحظة أحبه الإعلام كما أحبه هو، فعرفه الجمهور العُماني مؤلفًا، وكاتبًا، وممثلاً، ومعلقًا صوتيًا بارعًا. شارك في أعمال درامية عُمانية مع كبار نجوم الساحة الإعلامية، فأبدع وترك بصمته في كل مشهد، وفي كل كلمة. وسيحتفظ أرشيف تلفزيون وإذاعة سلطنة عُمان بالأعمال التي كان للراحل محمود عبيد بصمة فيها.
لم يكن يرى الإعلام وظيفة، بل رسالة سامية، وكان صوته يحمل صدق المشاعر، وكلماته تنبض بحب عُمان. رصدت له منصات التواصل الاجتماعي مقاطع كثيرة من تصويره وتعليقه، تعكس عشقه الحقيقي للإعلام، وحرصه على إبراز كل ما يُفرح هذا الوطن… كان يحتفي بإنجازات عُمان كما يحتفي بها أهلها، وكان يُفرحنا بفرحه.
ورغم مرور السنوات وتغيّر الأحوال، ظلّت صداقتنا كما كانت، بل أقوى. أسسنا سويًا مجموعة “واتساب” تحت اسم “العصر الذهبي – طلبة روي الثانوية”، وكان محمود هو قبطان هذه السفينة الوديعة، يجمعنا من أطراف العمر إلى قلب الذكريات، يذكرنا بماضٍ جميل، ويقودنا بلطفه نحو لقاءات سنوية نحتفي فيها بأيام الطفولة والدراسة.
آخر لقاء جمعنا كان قبل أشهر، حين اجتمعنا لاستقبال أخينا العزيز الدكتور هاني القاضي العائد من غزة، وكنتَ يا محمود هناك، كعادتك، تحمل الفرح على كتفيك، وتُغني من القلب: “أهلاً أهلاً هاني”، وكأنك كنت تودّعنا بتلك الابتسامة، وتقول لنا: إلى اللقاء.
رحمك الله يا صديقي، آلاف من أصدقائك وزملائك ومحبيك توافدوا لتوديعك في مشهد جنائزي مهيب، امتزجت فيه الدموع بالدعاء، والحزن بالفخر بك وبمسيرتك. اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي، وتناقلت القنوات الإعلامية المحلية والعربية خبر وفاتك بكثير من الأسى، فالجميع لم يذكرك إلا بخير، واستحضروا مواقفك النبيلة، وابتسامتك التي لم تفارقك حتى في أشد الظروف.
لهذا… ستظل حاضرًا، لا تغيب، في قلوب من عرفوك، وفي ذاكرة وطن أحبك كما أحببته.
نم بسلام يا صديقي أبا صهيب… فقد أديت رسالتك، وملأت أيامنا بمحبتك. وليس لنا إلا أن نقول كما أمرنا ربنا:
إنا لله وإنا إليه راجعون
وإلى جنات الخلد بإذن الله.