حسين أبو السباع: الرواية العُمانية تمتاز بعمقها التأملي وارتباطها بالإنسان والكون

مسقط في 27 أكتوبر /العُمانية/ يرى الروائي والكاتب المصري حسين أبو السباع أن الرواية العُمانية اليوم تتّسم بالهدوء والعمق، ما منحها بعدًا أدبيًّا مميزًا في المشهد العربي. وأوضح أن هذا الهدوء لا يعني السكون، بل يشير إلى اشتغالٍ داخليٍّ عميق يجعل الرواية العُمانية تكتب من الهامش لتضيء المركز، وتغوص في التفاصيل الصغيرة لتكشف عن جوهر التجربة الإنسانية.
ويضيف: “ما يدهشني في الرواية العُمانية هو هذا النفس التأملي الذي يمزج بين الحسّ المحلي والوعي الكوني، بين ذاكرة المكان وأسئلة الإنسان، فهي لا تركّز على البطولة أو الخطابة، بل على الإنسان العادي في مواجهته للحياة وهشاشته بصمتٍ نبيل.”

وأشار إلى أن المكان في الرواية العُمانية ليس مجرد خلفية للأحداث، بل كائن يتنفس مع الشخصيات ويعيد تشكيل وعيها. واستشهد بحصول عدد من الروايات العُمانية على جوائز عالمية مرموقة مثل “سيدات القمر” لجوخة الحارثية الفائزة بجائزة البوكر العربية عام 2019، و“تغريبة القافر” لزهران القاسمي الفائزة بالجائزة ذاتها عام 2023، ووصول “دلشاد” لبشرى خلفان إلى القائمة القصيرة عام 2022، معتبرًا ذلك تأكيدًا على أن الأدب العُماني أصبح صوتًا فاعلًا في المشهدين العربي والعالمي.
وأكد أبو السباع أن الرواية العُمانية تتقدّم بثبات هادئ دون ضجيج، لكنها تترك أثرًا طويل المدى، موضحًا أن قيمتها تكمن في الصدق الفني والبصيرة الإنسانية، وفي قدرتها على استيعاب التحوّلات الاجتماعية والثقافية للوصول إلى جوهر السؤال الإنساني.

وفي حديثه عن تجربته الإبداعية، أوضح أن الزمن في رواياته ليس مجرد ترتيبٍ للأحداث، بل عنصر يعيد تشكيل وعي الإنسان بالتاريخ والواقع، واصفًا إياه بـ”الشاهد الحي” الذي يعبّر عن صيرورة الحياة. أما الذاكرة، فيراها ساحة صراع بين ما نحاول تذكّره وما نسعى لنسيانه، مؤكدًا أنه يترك لشخصياته حرية بناء ماضيها ومستقبلها داخل النص الروائي.
وعن دور الرواية في فهم الإنسان، قال أبو السباع إن الرواية ليست وسيلة للوعظ أو التطمين، بل أداة لتحفيز الفكر وبناء وعي جديد، مشيرًا إلى أن الكاتب الحقيقي هو من يكتب عن مدنٍ حقيقية ووجوهٍ من الواقع، لأن الأدب في جوهره فعل إنساني نابع من التجربة والملاحظة.
كما يرى أن القضايا الاجتماعية ليست خلفية للأحداث بل مكوّن جوهري لفكر الشخصيات، والرواية هي محاولة لفهم الواقع بعمق التجربة الإنسانية لا بخطابٍ مباشر.
وفي حديثه عن اللغة واللهجة، شدّد على أن اللهجة المحلية هي طريق الكاتب إلى العالمية، كاشفًا عن مشروعه الروائي الجديد “تأويل رؤية” الذي كتب بأسلوب درامي، إلى جانب روايته “الشفرة الزرقاء”، وهي أول رواية عربية تتناول الذكاء الاصطناعي بوصفه موضوعًا روائيًّا رئيسًا، كتبها برؤية بصرية تصلح لتقديمها كعملٍ درامي أو سينمائي.
وبيّن أن رواية “الشفرة الزرقاء” جاءت لتحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الوعي الإنساني، خصوصًا في ظل انتشار التزييف المعلوماتي، موضحًا أن الخطر الحقيقي ليس في التقنية ذاتها بل في “الاستسهال” وفقدان الأصالة الإبداعية.
وأضاف: “التقنية يمكن أن تمنح الكاتب أفقًا جديدًا، لكنها لا تستطيع أن تخلق الألم أو الفرح أو المشاعر التي تميّز الإنسان. فالرواية في جوهرها وثيقة حيّة عن الوجود الإنساني، والذكاء الاصطناعي مهما تطوّر لن يستطيع أن يكتب من موقع القلب.”
وفي ختام حديثه، أشار أبو السباع إلى أن الرواية العربية تواجه تحديات عالمية حين تُترجم أو تُقدَّم للقارئ الغربي، لأن بعض الكتّاب فقدوا خصوصيتهم واتّجهوا لتقليد المدارس الغربية، مؤكدًا أن عالمية الأدب العربي لا تتحقق بالترجمة وحدها، بل بالحفاظ على فرادته وأصالته التي تنبع من واقعه وثقافته الخاصة.





