تعزيز البيئة القانونية والقضائية في سلطنة عُمان لترسيخ ثقة المستثمرين

مسقط في 27 ديسمبر 2025 /العُمانية/ واصلت سلطنة عُمان خلال السنوات الأخيرة جهودها لتطوير منظومتها القانونية والقضائية، عبر إنشاء بيئة عدلية عادلة وفعّالة تسهم في تعزيز ثقة المستثمرين، وذلك من خلال تحديث التشريعات وتطوير آليات التقاضي، وفي مقدمتها تأسيس محكمة الاستثمار والتجارة المتخصصة بقرار من المجلس الأعلى للقضاء، في خطوة تعكس التزام السلطنة بترسيخ الاستقرار القانوني الجاذب للاستثمار.
وتندرج هذه الجهود ضمن مساعي تحديث المنظومة التشريعية بما ينسجم مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040» ومتطلبات التنمية الحديثة، حيث شهد القطاع القانوني والقضائي تحسينات ملموسة في كفاءة وسرعة الفصل في القضايا، وتقليل تكاليف التقاضي، وتعزيز استقلالية القضاء وموثوقيته.
وفي هذا السياق، نفذت سلطنة عُمان إصلاحات مؤسسية عززت الثقة في النظام القضائي، من أبرزها إعادة هيكلة المجلس الأعلى للقضاء بموجب المرسوم السلطاني رقم (35/2022)، ووضعه تحت الإشراف المباشر لجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – بما يضمن استقلال المنظومة القضائية عن أي تأثيرات تنفيذية. وشملت هذه الإصلاحات منح المجلس صلاحيات إدارة شؤون القضاة والمحاكم، واعتماد معايير موضوعية لاختيار القضاة الأكفاء، مع التركيز على التدريب المستمر وتطوير المهارات.

وتهدف هذه الإجراءات إلى ترسيخ حيادية القضاء ومصداقيته، بما يعزز ثقة جميع المتقاضين، سواء من المواطنين أو المستثمرين الأجانب، في أن منازعاتهم ستُفصل بعدالة وموضوعية، بغض النظر عن جنسياتهم أو أوضاعهم.
كما أولت سلطنة عُمان اهتمامًا خاصًا بتسريع إجراءات التقاضي، لما لذلك من أثر مباشر على تحسين بيئة الأعمال، حيث اعتمدت آليات حديثة لتسريع الفصل في المنازعات، سواء عبر تحديث القوانين والإجراءات أو توظيف التقنيات الرقمية في إدارة القضايا.
وفي هذا الإطار، أُصدرت حزمة من التشريعات الهادفة إلى تبسيط وتسريع إجراءات التقاضي، من بينها قانون تبسيط إجراءات التقاضي لبعض المنازعات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (125/2020)، الذي أسهم في تقليل التعقيدات في الدعاوى التجارية والمدنية. كما صدر قانون محكمة الاستثمار والتجارة بالمرسوم السلطاني رقم (35/2025)، الذي وضع جداول زمنية ملزمة لمراحل التقاضي، وحدد مددًا واضحة لتقديم المذكرات والردود وإصدار الأحكام، بما يضمن سرعة وفعالية الفصل في القضايا التجارية والاستثمارية.
وتضمن القانون إنشاء مكتب تهيئة الدعاوى، يضم قضاة ومساعدين قانونيين يتولون إعداد ملفات القضايا واستكمال المستندات اللازمة قبل نظرها، الأمر الذي أسهم في تقليص التأخيرات الإجرائية وتسريع الفصل في المنازعات.
وعلى الصعيد الإقليمي، تتماشى جهود سلطنة عُمان في تسريع التقاضي التجاري مع أفضل الممارسات المعتمدة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من خلال اعتماد الجداول الزمنية الملزمة والأنظمة الرقمية المتكاملة، ما يسهم في تحسين ترتيب السلطنة في المؤشرات الدولية المرتبطة بإنفاذ العقود، ويجعل النظام القضائي العُماني خيارًا أكثر جاذبية لتسوية النزاعات التجارية.
وإلى جانب تسريع الإجراءات، ركزت سلطنة عُمان على خفض تكاليف التقاضي، بما يمكّن الشركات، لا سيما الصغيرة والمتوسطة، من الوصول إلى القضاء دون أعباء مالية، حيث أجرى المجلس الأعلى للقضاء مراجعة شاملة لرسوم الخدمات القضائية بالتعاون مع وزارة المالية، أسفرت عن تخفيض 14 رسمًا وإلغاء 5 رسوم، بما يعزز مبدأ حرية التقاضي ويرفع كفاءة الخدمات القضائية.
ومن أبرز التعديلات اعتماد نظام الشرائح الجديد لرسوم الدعاوى وفقًا لقيمة المطالبة، والذي وحّد الرسوم بين درجتي التقاضي وخفّض بعضها بنسبة تجاوزت 95 بالمائة، ما شجع الشركات الصغيرة على اللجوء إلى القضاء دون مخاوف مالية.

وأوضح فايز بن مبارك المسكري، مدير دائرة شؤون كاتب العدل بالمجلس الأعلى للقضاء، أن هذه المراجعة تأتي ضمن استراتيجية تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، عبر تقديم خدمات قضائية عالية الجودة بتكاليف متوازنة، مشيرًا إلى أن تسريع الفصل في القضايا واستخدام الإجراءات الإلكترونية أسهما في تقليل أتعاب المحاماة والكلفة الإجمالية للتقاضي.
وفي إطار الانفتاح القانوني، طوّرت سلطنة عُمان آلية واضحة للاعتراف بالأحكام القضائية الأجنبية وتنفيذها، وفق ضوابط توازن بين احترام الأحكام الأجنبية وسيادة القانون الوطني، كما انضمت إلى عدد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية ذات الصلة، من بينها اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي واتفاقية دول مجلس التعاون لتنفيذ الأحكام.
وبالتوازي مع القضاء الرسمي، عززت سلطنة عُمان آليات تسوية النزاعات البديلة، وعلى رأسها التحكيم التجاري، من خلال إنشاء مركز عُمان للتحكيم التجاري بموجب المرسوم السلطاني رقم (26/2018)، ليكون منصة تحكيم مستقلة تتماشى مع المعايير الدولية، وقد أعلن المركز عن إعداد نسخة محدثة من قواعد التحكيم تشمل إجراءات إلكترونية حديثة.
وفي مارس 2025م، صدر المرسوم السلطاني رقم (35/2025) بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ككيان قضائي متخصص، في خطوة محورية تهدف إلى رفع كفاءة الفصل في المنازعات التجارية والاستثمارية، وتعزيز ثقة المستثمرين من خلال إسناد القضايا إلى قضاة متخصصين في مجالات التجارة والاستثمار.
وأكد خبراء قانونيون أن إنشاء المحكمة يسهم في تخفيف الضغط عن القضاء العام، ويرفع كفاءة توزيع الموارد القضائية، ويضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الخليجية التي تمتلك محاكم تجارية متخصصة.

وفي هذا السياق، أوضح زياد بن علي البلوشي، محامي ومستشار قانوني، أن النظام القضائي التجاري في سلطنة عُمان يشهد مرحلة متقدمة من التطور المؤسسي، تعكس رؤية الدولة لبناء منظومة عدلية حديثة تدعم الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن التخصص، وسرعة الفصل، واستخدام التقنية أصبحت سمات بارزة للتقاضي التجاري.
وأكد أن تحديث الإطار التشريعي، بما في ذلك قوانين الشركات التجارية والإفلاس، أسهم في تعزيز مرونة وشفافية بيئة الأعمال، وحماية حقوق المستثمرين، ورفع تنافسية الاقتصاد الوطني، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040».
وأسهم التحول الرقمي في القضاء العُماني في تسريع الإجراءات بشكل غير مسبوق، من خلال منصات إلكترونية متكاملة لقيد الدعاوى وتبادل المذكرات والتبليغات وتنفيذ الأحكام، إلى جانب تعزيز التكامل بين القضاء والتحكيم، ما أسهم في تحسين جودة الأحكام وتقليل المخاطر أمام المستثمرين، وترسيخ بيئة قانونية مستقرة داعمة للاستثمار والتنمية الاقتصادية.





