الرمزية في الرواية.. بين الهروب من الواقع وأفق الإبداع

مسقط في 29 ديسمبر 2025 /العُمانية/ تُعدّ الرمزية إحدى الأدوات الفنية البارزة في الكتابة الروائية، إذ يلجأ إليها الكتّاب لإضفاء عمق دلالي وجمالي على النص، وتمكينهم من التعبير عن أفكار ومشاعر مركبة بأسلوب غير مباشر. فالرمز في الأدب يتجاوز معناه الحرفي ليحمل دلالات أوسع، تُغني التجربة القرائية وتدفع القارئ إلى التأمل والتفكير، حتى وإن تعذّر أحيانًا إدراك معناه الكامل لدى بعض المتلقين.

ويرى عدد من النقاد والروائيين أن الرمزية لم تعد ترفًا جماليًّا أو وسيلة لإضفاء الغموض المفتعل، بل غدت لغة موازية للنص، تتيح للمتلقي إعادة اكتشاف العالم من زوايا جديدة، وتسهم في تعميق الوعي الجمالي والثقافي للعمل الروائي.

ويصف الناقد المصري محمد الخولي الرواية بأنها «بنية مجازية» تتجلى فيها صورة العالم كما يتخيلها الروائي، مشيرًا إلى أن العمل الروائي في جوهره بناء رمزي يتشكّل في العالم الداخلي للكاتب قبل أن يتجسد عبر اللغة. وفي السياق ذاته، يؤكد الكاتب والروائي محمد العجمي أهمية أن يأتي الرمز طبيعيًّا وغير متكلّف، وأن يكون مندمجًا في تكوين الشخصيات وسلوكها ولغتها، بحيث يبدو جزءًا أصيلًا من العالم الروائي.

من جانبها، ترى الكاتبة والروائية شريفة التوبية أن الرمزية ليست شرطًا لنجاح العمل الأدبي، لكنها عنصر داعم للنص، إذ إن اللغة المباشرة الخالية من الرمز قد تُضعف الأثر الفني. وتؤكد أن متعة الكتابة والقراءة معًا تكمن في حضور الرمز دون إفراط، بما يفتح المجال للتأويل والتخيّل، ويمنح القارئ مساحة لاكتشاف المعنى غير المباشر.
وحول القصدية في استخدام الرمز، تتباين الآراء بين من يرى أن الرمزية اختيار واعٍ ومسبق لدى الكاتب، لأسباب فنية أو اجتماعية أو حتى رقابية، وبين من يعتقد أنها تنشأ تلقائيًّا من عمق التجربة الإبداعية. ففي حين يشير الكاتب إسلام علي حسن إلى أن الرمز لا يُستخدم عمدًا إلا إذا فرضه السياق الدرامي، تؤكد الكاتبة آية السيابية أنها تتعامل مع الرموز بوصفها أدوات حسية تتولّد مع اللحظة السردية ذاتها، لا عناصر تُزرع عمدًا في النص.

ويذهب بعض الروائيين إلى أن الرمزية قد تكون مقصودة أو عفوية في آن واحد، فيما يرى آخرون أنها تظهر كنتاج طبيعي لتراكم الصور والمشاهد. ويصف محمد العجمي الرمز بأنه «ظلّ» يرافق النص أثناء الكتابة، أو «بذرة» تنمو تدريجيًّا حتى تتخذ شكلها النهائي دون وعي كامل من الكاتب.
وفي المقابل، يرى فريق من الكتّاب أن الرمزية ضرورة فنية، تُستخدم للتعبير غير المباشر عن قضايا سياسية واجتماعية وثقافية، عبر إشارات وعلامات تشكّل مفاتيح لفهم البنية العميقة للنص. ويؤكد يوسف الكندي أن الحبكة والبناء السردي هما من يقودان الرمز ويطوّران دلالاته، شرط ألا يتحول إلى عبء ثقيل على النص أو المتلقي.
ويتفق كثير من النقاد على أن التوازن بين الرمزية الصريحة والضمنية عنصر أساسي في نجاح العمل الروائي. فالإفراط في الوضوح قد يحوّل الرمز إلى شعار مباشر، بينما يؤدي الغموض الزائد إلى إفراغه من جدواه. وتشبّه عزيزة الطائية هذا التوازن بانسياب الرمز داخل المتن السردي، بحيث يعزز قيمة النص ويعمّق رؤيته دون تكلف.

كما يبرز دور القارئ وخلفيته الثقافية في تفسير الرموز، إذ تتغير دلالاتها باختلاف البيئات والسياقات. ويشير النقاد إلى أن الرمز كيان مرن، قابل لإعادة التأويل، وقد يحمل معاني محلية أو إنسانية عامة، تبعًا لوعي المتلقي وتجربته.
وفي خضم هذا التعدد في الرؤى، يتفق كتّاب ونقاد على أن الرمزية تظل أداة قادرة على الجمع بين البعدين الجمالي والنقدي، شريطة أن تخدم السياق السردي وألا تتحول إلى خطاب مباشر. فالرمز – في نظرهم – وسيلة لا غاية، وجسر فني يربط القارئ بعوالم لا يمكن النفاذ إليها باللغة المباشرة.
ويخلص المهتمون بالسرد الروائي إلى أن الرمزية ستظل عنصرًا حيًّا في الرواية، لما تمتلكه من قدرة على مواكبة التحولات الإنسانية والفكرية، ولأنها تشكّل جزءًا من روح العمل الإبداعي، ولغة مفتوحة تتيح للنص أن يُقرأ بوجوه متعددة، دون أن يفقد جوهره أو صدقه الفني.





