لوحات شادي غوانمة… رؤية تشكيلية تقوم على معرفة عميقة بأدوات الفن

عمّان في 29 ديسمبر 2025 /العُمانية/ترتكز التجربة الفنية للتشكيلي الأردني شادي غوانمة على وعي معمّق بأدوات الفن ومناهجه ومدارسه المختلفة، إلى جانب حس إنساني واضح ورغبة مستمرة في التطوير والتجريب. وقد انعكس ذلك في أعماله التي انفتحت على فضاءات وأساليب متعددة، مقدّمًا من خلالها خطابًا بصريًا متزنًا وجادًا، يتقاطع فيه الوعي المعرفي مع التعبير الإنساني.

واستثمر غوانمة مواد الواقع المحيط به، ودمجها بالخيال ضمن لغة بصرية تفتح المجال للتأويل وتطرح أسئلة جمالية ومعرفية. وبدأ مسيرته الفنية في سن مبكرة، متتلمذًا على يد الفنان محمود أسعد جمعة، حيث كان يتردد على مرسمه الذي احتضن العديد من المواهب الشابة. وبعد عامين من دراسة تقنيات الرسم وأسس اللون، انطلق في تجربته الخاصة، مقدّمًا لوحات تمزج بين الخط العربي والتجريد الحروفي، مع تركيز لافت على توزيع الكتل اللونية، ومراعاة دقيقة لتقنيات الضوء والظل.

ويتعامل الفنان مع اللون بوصفه عنصرًا مركزيًا حاملًا للدلالة، إذ يكثر من توظيف الألوان الترابية والداكنة في أعماله، في إحالة واضحة إلى مفاهيم الأرض والإنسان والذاكرة الجمعية. وفي المقابل، تظهر أحيانًا ضربات لونية حادة تكسر حالة السكون وتدخل اللوحة في توتر بصري مقصود، يعكس القلق الوجودي أو الاجتماعي الذي يشغل تفكير الفنان.

كما يولي غوانمة اهتمامًا خاصًا بالجسد الإنساني، بعيدًا عن التشريح الواقعي الدقيق، وقريبًا من فكرة الإنسان بوصفه كائنًا مثقلًا بالأسئلة والهواجس. ومن هنا، تتراوح حضور الشخوص في لوحاته بين الوضوح والتشظي، وكأنها في حالة صراع دائم مع محيطها أو مع ذاتها، في معالجة بصرية تفتح المجال لقراءات نفسية وفلسفية متعددة.
وتتسم أعماله الأخيرة بطبقات لونية متراكبة، لا تُقرأ على عجل، بل تتطلب التمهل والتأمل لاكتشاف خلفياتها الغنية بالملمس، والمزيّنة بضربات فرشاة واضحة تمنح السطح طابعًا قريبًا من النحت، وكأن الفنان لا يرسم الشكل بقدر ما ينحته على سطح اللوحة.

ويمكن مقاربة أعمال شادي غوانمة من زاوية انشغالها بالذاكرة الإنسانية والجماعية، لا سيما في اللوحات التي تتناول قضايا ذات بعد إنساني وقومي، كما في معرضه «غزة صامدة»، الذي قدّم مجموعة من الأعمال المعبّرة عن الألم والصمود معًا، بأسلوب يعتمد التكثيف والرموز الإيحائية غير المباشرة.





