الاتصال الثقافي وتعزيز تنوع الثقافات

د. خالد الشرقاوي السموني

 ساعدت وسائل الاتصال الرقمي ، من أنترنيت و شبكات التواصل الاجتماعي و الصحافة الإلكترونية و كل أشكال الاتصال الإلكتروني ، على التغلب على قيود الوقت والمسافة و شملت مختلف أنحاء العالم ، وأصبحت التكنولوجيا الرقمية في متناول الإنسان ، و بمثابة النافذة الأساسية التي يطل منها على العالم ويعرف من خلالها بثقافته وحضارته و يتعرف على ثقافة الآخرين و حضارتهم ، و يصل عبرها  إلى مصادر المعلومة و المعرفة.  كما أثرت الثورة التكنولوجية في العقود الثلاثة الأخيرة في حقل الإعلام والاتصال من حيث الأدوات والمضامين كلتيهما، و إنتاج المعارف والرموز بين الأفراد و الجماعات ، و أيضا شعوب العالم ، و ساعدت على زيادة التفاعل بين الشعوب وحرية تداول المعلومات والترابط بين الثقافات.

              و نشير في هذا الصدد إلى أن نمو وسائل الاتصال الرقمي وتطورها السريع أدى إلى تغيرات شاملة في الحياة الثقافية في العالم المعاصر، وأصبح من السهل أن تنعقد العلاقات والصلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بين الدول والشعوب بشكل واضح وعميق، بل صار من غير الممكن أن تعيش ثقافة محلية ما بمعزل عن ثقافات بلدان العالم ، و أصبحت المادة الثقافية ، المتعددة المصادر و الروافد، متاحة للجميع على شبكة الإنترنت. كما أزيحت الحدود التي كانت تعيق الاتصال الثقافي بين مختلف شعوب العالم.

         فضلا عن ذلك ، فإن الاتصال الثقافي ساعد على نقل التراث الثقافي بين الشعوب ، و عمل على تسهيل التواصل بين الأفراد و الجماعات ذات الثقافات المتعددة و أسهم بصورة كبيرة في إمكانية وإيجاد فرص التحاور والثتاقف و التلاقي. وهذا بدوره قد ساعد الثقافات المحلية أن تخرج من عزلتها ، من أجل الانفتاح على الرصيد الثقافي العالمي والمساهمة مع ثقافات العالم في تشكيل حضارة إنسانية فاعلة، ، دون أن يعني ذلك الانصهار و الذوبان في ثقافات أخرى أو في الثقافة الواحدة المهيمنة.

            و على ذلك ، ينبغي استثمار  الاتصال الثقافي في ترويج مبادئ الانفتاح الفكري والثقافي على الثقافات الأخرى وضرورة التفاعل معها تفاعلا إيجابيا يفضي إلى تطوير الحضارة الإنسانية بمجملها، و في نفس الوقت إظهار الوجه المشرق للثقافات المحلية وبموروثها المتجذر في التاريخ ، على مستوى الأدب و الشعر و الموسيقى و الفنون الأخرى المختلفة ، لأن انغلاق الثقافات المحلية على ذاتها وعدم تفاعلها مع الثقافات الأخرى يؤدي إلى تحجر هاته الثقافات وجمودها وركودها وعدم مجاراتها للتطور الحاصل في العالم.

              إن حتمية الاتصال الثقافي بين الشعوب هي حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، يمكن عن طريقه تفعيل التواصل بين الثقافات المحلية وبين الثقافات الأخرى، وتكثيف حُضورها على الصعيد الدولي، والعمل معًا على تقديم صورتها المشرقة و التعريف بأهمية التراث الثقافي العربي المتنوّع و نشر قيم الحوار والوسطية والسلام في العالم و جعل  الثقافات المحلية رائدة التواصل الكوني ، على خلاف من يريدون تشويه هذه الثقافة على أساس أنها ثقافة متزمتة و منغلقة و غير مبدعة.

و تأسيسا على ذلك ، فإن التحدي الأكبر يتمثل في المحافظة على بقاء الثقافات المحلية قوية بمكوناتها و مضامينها الأدبية و الفنية و التراثية العميقة التي تزخر بها وتطهيرها من التشوهات التي طرأت عليها ، في فترة من التاريخ ، و إكسابها القدرة على فرض ذاتها، كثقافات أصيلة و ذات حضارة و تاريخ مجيد .

 هذا التحدي هو السبيل الوحيد لفهم و استيعاب الحضارة المعاصرة، التي يبقى الانفتاح عليها أمرا ضروريا للاستفادة مما هو إيجابي فيها ، و أيضا وسيلة رئيسية للحوار الثقافي و الحضاري ، دون إقصاء هوية الثقافة المحلية لأي مجتمع ، لأن الاتصال الثقافي لا يعني انصهار ثقافة ما  داخل ثقافة أخرى أو المطابقة بين الثقافات ، وإنما يعني بالدرجة الأولى الحوار بينها و استيعاب بعضها البعض  و إبراز المضامين الإبداعية و الإنسانية والحضارية لكل ثقافة، مما يساهم في ترسيخ أسس التفاهم بين الشعوب و الحوار بين الثقافات ، و تعزيز التنوع الثقافي و روح التسامح والقبول باختلاف الثقافات و تكاملها و تلاقحها  .

زر الذهاب إلى الأعلى