غدا

تحسين يقين


تحسين يقين

  • أتدري ما المأساة؟
  • ……………!
  • هي كذلك، ولكن المأساة الكبرى ألا نعرف إلى أين نمضي، فتصير الحياة مقامرة.
    أن نظل على الأرض، بما فيها، خير من سماء التخيّل والتمني؛ فكيف أجيب دفعة من أسئلة شباب في أول العمر بكامل طاقتهم، وهو يضجون من الحياة هنا! وهنا يعني هنا وهناك، على امتداد أجزاء كبيرة من الوطن العربي، وليس فلسطين فقط.
    “الوطن العربي”، هكذا قرأت هذا التعريف لخارطة هذا الوطن، حين كنا أطفالا في عمر الزهور، ربما كان ذلك في الصف الرابع. وهناك صفحات كتب أضافت الكبير، فكم كنت أقوى وأنا طفل بكوني من هذا الوطن العربي الكبير.
    فهل يعرف أبناء العروبة وبناتها إلى أين يذهبون؟ وما الذي يخبئه الاستعمار لهم في ظل ما ينشده كل قطر من خلاص ضيّق؟ إنه الخلاص الواهم، لأن كل الدلائل تشير إلى أن الاستعمار لا يثق إلا بدولة الاحتلال.
    إذن ماذا نحن فاعلون، في ظل أن كأس التدمير ينتقل من شعب إلى شعب، فلم يقتصر بالطبع على فلسطين، من قبل ومن بعد، “فالحبل على الجرار”.
    ترى، هل هناك من يقرر ويدير هذا الوطن الكبير، والعالم؟ وهل أنه ليس أمام الشعوب إلا السير وفق ما تمت هندسته وبرمجته؟
    لنا أن نفخر بما يمنح الأمل، ولنا الرثاء الطويل الذي يليق بالحزن على هذا الفقد. ولنا الشعور، ولنا العقل، ولنا الحياة إن قوينا أملنا بها شعبا وشعوبا.
    تلك أسئلة النفس، والأسئلة الاجتماعية، وما يدور من صراعات، غير قادرين على فصلها عما يحدث هنا، وفي العالم، ولعل العالم اختار أن يتشاجر هنا، بل ويصفي حساباته هنا أيضا، على أرض فلسطين وبلاد الشام، والعراق، أي على أرض الهلال الخصيب، الذي يراد له ألا يكون كذلك.
    وكما في حياتنا، كذلك في العلاقات الدولية، فإن يصعب على الأفراد والدول أن “تحط كل بيضها في سلة واحدة”، لذلك نجد هذا وذاك، في الحياة الاجتماعية والعمل، يضع رجلا هنا ورجلا هناك لعمل توازن، لأن ما يحكم المنظمة ليس القيم والقانون بل منطق القوة، فكيف ألوم فردا يفعل هكذا ونحن نرى دولا تفعل ذلك؟
    أرى ذلك فيما حولي، في محيطي الصغير، وأرى ذلك في المحيط الكبير، في العلاقات الدولية حربا وسلما. وأتذكر شكسبير، الذي لم يكن أديبا عظيما فحسب بل عالم نفس أعظم.
    في الأزمات تظهر النفوس على حقيقتها، “جزى الله الشدايد كل خير بتبين العدو من الصديق”. إنه المثل الذي رددته الختيارات بشكل خاص.
    “لا تحط بيضك كله في سلة واحدة”، وهذا ما يفعله ليس المزارع مربي الدجاج والطيور، وبائع هذا البيض، بل الكثيرون أفرادا وجماعات ودولا. لكن ماذا يعني ذلك؟
    هنا في هذه الحرب الجبانة على فلسطين، منذ قرن، والتي توجت بمذابح على مدار القرن، وصولا الى المجزة الكبرى للوطن، في قطاع غزة، هنا يتجلى النفاق الدولي: رجل هنا ورجل هناك. إذن كيف ستنتصر قوة المنطق وتسود خالقة عالم السلام الدائم والحقيقي؟
    ماذا يعني ذلك، ونحن نرى ما فوق الطاولات وتحتها؟
    كيف ستنجو الدول من مطامعها وهي تسعى وراءها، مقدرة أين ستميل الكفة، فيقولون للمنتصر الباغي: كنا معك وما زلنا؟
    ما يحدث في عالم البشر أفردا يحدث في عالم الدول، وهكذا كان من السهل بيعنا، كون الكفة تميل مع منطق القوة الغاشمة، فما لنا والقلوب التي معنا والسيوف في أغمادها أصابها الصدأ؟
    لغة الدول الكبرى الحقيقية ليست هي اللغة الإعلامية التي يتم إلهاء الشعوب بها. إنها لغة أخرى، تختلف عما نتخيله من كلام ساذج يدور في الأذهان.
    هي لغة مديري العالم، فهل لغة مديري المدارس مع بعضهم بعضا هي لغة الطلبة فيما بينهم؟ فكيف ليس بحكومات الدول الكبرى والإقليمية، بل بمديري العالم، الذين لربما يتجلون في كبار الساسة في تلك الدول المعينين من مراكز القوى الحقيقية، والذين بالطبع، للأسف، لم تختارهم الشعوب فعلا؟
    إدارة العالم تعرف أهدافها، وفي ظل ذلك تلوذ الحكومات بها، وهي على استعداد دفع ضريبة من أجل مجرد البقاء، لكن أي بقاء هذا؟ لم يعد الجواب يهمّ الحكومات.
    لنكن صريحين، ونتساءل كيف تتعامل الدول الكبرى فيما بينها في ظل الحرب والسلام؟ وكيف تتعامل الدول الإقليمية معها فعلا؟ فهل يمكن مثلا تصديق أن الولايات المتحدة تعادي إيران ومستعدة لمحاربتها وهي تعلم موقع إيران ودورها؟ وهل يمكن تصديق أنّ إيران تعادي الولايات المتحدة لدرجة الحرب؟ الجواب لا الولايات المتحدة ولا إيران من السذاجة لفعل ذلك ما دام كل طرف يحقق أهدافه، وما العراق الشقيق ببعيد عن هذا التفاهم.
    المعلن غير المخفي، فبالرغم من الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، إلا أن “الإدارة الأمريكية” لا ترغب في أن تتغول إسرائيل أكثر من اللازم. لذلك فإننا لا نستبعد أنه، في ظل سيطرة الولايات المتحدة على التوازنات العالمية، فإنها لجأت فعلا الى “تحجيم” إسرائيل، ولجمها، فكانت إيران هي الأداة. ومن جهة أخرى استخدمت الولايات المتحدة الحالة الإيرانية في تخويف دول الجوار، ما جعلها تسيطر على الموارد. ألا يدلنا تأمل الضربة الإيرانية، ودفع الولايات المتحدة إسرائيل الى عقلنة الردّ، الى شيء ما؟
    ولربما يقول قائل شيئا عن تجارة السلاح، ومعه حق، فلا بد من الحروب لبقاء صناعة السلاح وتجارته.
    في “الطوش” والنزاعات الاجتماعية، كان الساذج مثلا يظن أن هناك من سيقاتل معه وعنه، ليكتشف بعد فوات الأوان، أن ذلك كان تمثيلا ليس أكثر، وأن لسان حال من يتوقع نجته يقول “شو خصنا نتبهدل من تحت راس فلان..خلي قرايبه يجوا يطبوا معه”..ويطبو يعني (يهجمون). وفي “طوشتنا”، سيقول هؤلاء: هل سنصير عربا أكثر من العرب؟
    ليس أمامنا فلسطينيين وعربا إلا أن نستعيد البوصلة، كون مصيرنا واحدا؛ فمهما اختلفنا فيما بيننا، فلا يعني أبدا الوقوف محايدين تجاه ما تفعله دولة الاحتلال وحلفاؤها في فلسطين المحتلة، فالمثل “ما خلا إشي الا قاله”: “أنا وأخوي ع ابن عمي، وأنا وابن عمي ع الغريب”.
    نحن مع بعضنا بعضا، في فلسطين والوطن العربي الكبير، فلسنا مع “حد ضد حد”، هذا ما نتوقعه، فمن يريد أن يكون صديقا يناصر حقوقنا في بلادنا فأهلا وسهلا به.
    وأخيرا، فإن إحدى المآسي العربية أن يحدث الذي يحدث في فلسطين المحتلة، ويبقى الحال على ما هو عليه. فمن سيستخلص العبر مما يحدث من مآس في غزة؟ إلاّ يتم هذا، فسيستمر الحال، وستدور الكأس على الشعوب واحدا تلو الآخر.
    [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى