قانون العمل الحديث – دراسة مقارنة

المحامي والمستشار القانوني/ ناصر بن سليمان بن ناصر الخزيري.

صدر قانون العمل بحلته الجديدة ملبياً لآمال قاعدة عريضة من المواطنين والمقيمين، وعدد من الشرائح المجتمعية المهتمة بالمجال القانوني والمختصين في هذا المجال بصفة عامة، حيث أن القانون الجديد خاطب جذور العديد من المشاكل والمعوقات التي اعترت القانون القديم، وفيما يلي سنستعرض عدد منها في هذا المقال مع عقد مقارنة مبسطة بينه وبين القانون السابق وتعديلاته.

 استحدث القانون الجديد نصوصاً تنظم النزاعات العمالية الجماعية لم تكن تلك النصوص موجودة من قبل، ويقصد بمنازعات العمل الجماعية ذلك النزاع الذي ينشأ بين صاحب العمل والعمال بشأن شروط وظروف العمل بالمنشأة، حيث أن القانون الحديث أفرد باب كاملاً يفصل وينظم تلك النزاعات في المواد من (112) حتى (135) من مسودته.

مختصر ما فصله القانون الجديد حول جزئية منازعات العمل الجماعية في أن المنازعات العمالية الجماعية تتم تسويتها عن طريق لجنة يتم تشكيلها من وزارة العمل بقرار من الوزير، وتختص هذه اللجنة دون سواها بنظر المنازعات العمالية الجماعية  واتخاذ ما يلزم من قرارات، وفي حالة فشل اللجنة المذكورة في حل النزاع العمالي الجماعي تتم إحالة ذلك النزاع إلى التحكيم، ويكون قرار التحكيم نهائياً، ولا يجوز الطعن فيه إلا أمام المحكمة العليا، تجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد لم يحدد أجل الطعن في القرارات التحكيمية الصادرة بشأن المنازعات العمالية الجماعية، إلا أنه ومن المتوقع أن تحدد اللائحة التنفيذية لقانون العمل الجديد مدة ميعاد الطعن في هذه القرارات.

ويستخلص المطلع على جزئية منازعات العمل العمالية في القانون الجديد أنها لا تخضع للنظر أمام القضاء العادي بشكل عام، حيث أن قرارات اللجنة المشكلة في وزارة العمل حلت محل المحاكم الابتدائية (تقريباً)، كما حل التحكيم محل محاكم الاستئناف في هذه المنازعات.

ضمن جزئية الإجازات المنصوص عليها في قانون العمل نجد أن القانون الجديد قد استحدث عدد من الإجازات الإضافية لصالح العامل، منها إجازة الأبوة والتي تبلغ سبعة أيام شريطة التمتع بها قبل وصول المولود إلى سن (98) يوماً، وإجازة مرافقة المريض لمدة أقصاها (15) يوماً خلال العام، وإجازة الحج ومدتها (15) يوماً، والإجازة بدون أجر، وعدد من الاجازات الأخرى المستحدثة التي نصت عليها المادة (84) من القانون، علاوةً على تعديل بعض الإجازات الموجودة سلفاً بزيادتها، مثل إجازة الوضع التي بلغت بعد التعديل (98) يوماً.

أيضاً جاء ضمن التعديلات الإيجابية والتي تصب في مصلحة العامل مضاعفة عدد أيام الإجازات القابلة للتأجيل من ثلاثين يوماً إلى ستين يوماً.

كذلك منح المشرع الاهتمام اللازم لجزئية تعتبر غاية في الأهمية، ألا وهي محاسبة العمال، حيث قنن المشرع في هذا القانون عملية محاسبة العامل على ما يرتكبه من مخالفات أثناء أداء عمله، حيث قرر القانون تحويل العامل المخالف – قبل توقيع العقوبة عليه – إلى التحقيق   وسماع أقواله ودفاعه، على أن يكون التحقيق مكتوباً،  كما أن المشرع راعى عدم جواز مساءلة العامل عن مخالفة قد مر عليها ٣٠ يوم من تاريخ اكتشافها، وعدم جواز توقيع عقوبة عن مخالفة مر ٦٠ يوم على اكتشافها.

بالنظر إلى العلاقة الرابطة بين العامل وصاحب العمل بالسلطنة نجد أن  حجز جواز العامل يمثل سمة ملازمة لمعظم الشركات، حيث أن هذا الفعل يعتبر معضلة كبيرة لم يعالجها القانون السابق بالقدر اللازم، ولم يضع النصوص الصريحة التي تجتث جذورها، وبمطالعة قانون العمل الجديد نجد أنه قد تصدى لهذه الجزئية ووضع حلاً جذرياً لها بأن نص صراحةً في المادة السادسة من مسودته على تجريم حجز جواز العامل من قِبل صاحب العمل، فجواز السفر هو وثيقة قومية تعود ملكيتها إلى الدولة التي تصدرها ولا يحق لصاحب العمل حجزها لأي من الأسباب التي يسوقها أصحاب الأعمال لتبرير حجز الجواز، علاوةً على المشاكل الجمّة التي يواجهها العامل بسبب حجز الجواز.

كذلك من المعوقات التي خاطب القانون المستحدث جذورها هي معضلة استخدام عدد من اللغات في كتابة وصياغة اللوائح والقرارات والتعاميم وغيرها، حتى أن معظم عقود العمل والمستندات الأخرى في السلطنة كانت تصاغ باللغة الإنجليزية على وجه التحديد، الأمر الذي كان يشكل حاجزاً في وجه العرب، خصوصاً في حالة إلزامية التوقيع عليها، وبالنظر إلى القانون الحديث نجد أنه قرر تحديد اللغة العربية كلغة أساسية في صياغة وإعداد اللواح والقرارات وعقود العمل وجميع ما ذكر أعلاه، حيث أن  قرار تعريب النصوص القانونية في اعتقادي كان قراراً صائباً إذ أن اللغة العربية هي اللغة الأم بسلطنة عمان، كما أن النصوص العربية في العقود تقي العمال وذوي الدخول المحدودة تكاليف الترجمة في حالة نشوب أي نزاع عمالي بين العامل وصاحب العمل، ولم يهمل القانون الجديد حق العامل غير الناطق باللغة العربية في فهم محتوى العقود أو اللوائح أو القرارات التي تنظم عمله، حيث أن القانون أجاز الحق بتحرير عقود العمل واللوائح وغيرها بأي لغة أخرى إلى جانب اللغة العربية.

إن مسألة الفصل التعسفي للعمال ظلت مبهمة على تعاقب تعديلات قانون العمل السابقة جميعها، حيث أن الفصل التعسفي كان مرده إلى تقدير قاضي الموضوع دون وجود نص صريح في قانون العمل يفسر هذه المسألة.

وبالاطلاع على قانون العمل الجديد نجد أنه قد عالج مسألة تقدير الفصل التعسفي التي يمكن أن تصيب أو أن تخيب في حالة التقدير من قبل قاضي الموضوع، وقد أنصف القانون الجديد العامل، وذلك بنصه صراحةً في المادة (12) من مسودته على خمسة أسباب وشروط يجب توافرها لاعتبار الفصل تعسفياً، وقد أغلق القانون بذلك الباب أمام التقديرات التي تأتي مجحفة في بعض الأحيان في حق العامل، وقطعت جهيزة بذلك قول كل خطيب، فالقاعدة القانونية تنص على أنه لا اجتهاد في ظل وجود نص.

كما نصت المادة (11) من قانون العمل الجديد على ما يترتب من حقوق لصالح العامل في حالة اعتبار الفصل تعسفياً، وهي مكافأة نهاية الخدمة المستحقة قانوناً، وجميع المزايا التي نص عليها القانون أو عقد العمل (أيهما أكبر)، والأجر الشامل عن مدة الإخطار التي ينص عليها القانون أو عقد العمل (أيهما أكبر)، والاشتراكات التأمينية المقررة للفترة من تاريخ الفصل التعسفي وحتى تاريخ صدور الحكم.

كذلك تصدى القانون الجديد لإحدى العوائق التي ظلت في تقديري غير واضحة ولا يوجد ما ينظم هذه المسألة في قانون العمل السابق والتعديلات التي تلته، ألا وهي مسألة وضع العامل الأجنبي الذي تنتهي إقامته في السلطنة ولا زالت لديه دعوى ضد صاحب العمل في طور التداول أو قيد التنفيذ لتحصيل حقوقه، فقد نصت المادة (14) من القانون الجديد على أنه يحق للعامل البقاء في السلطنة إلى أن يتم البت في دعواه، ودون تكاليف تقع على صاحب العمل، ويقصد بالتكاليف هنا أي رسوم أو غرامات يمكن أن تترتب على وجود العامل بالسلطنة بعد انتهاء إقامته فيها، والقانون بذلك رفع التكليف والحرج عن كاهل صاحب العمل وضمن للعامل الاستمرار في متابعة حقوقه حتى استلامها.

كذلك من المسائل التي ظلت بلا نصوص قانونية صريحة تنظمها في قانون العمل، تنظيم الدوام الجزئي (العمل لبعض الوقت) والعمل المؤقت والعمل عن بعد، والأعمال العرضية التي لا تدخل بطبيعتها في النشاط المرخص لصاحب العمل، حيث وجه القانون وزير العمل باستصدار اللوائح التي تنظم هذه الأعمال بشكل واضح، وبعقد مقارنة بسيطة مع القانون القديم وتعديلاته نجد أنه لم يأت على ذكر هذه الأعمال أو يقم بتصنيفها أو تنظيمها.

أيضاً تعرض القانون الجديد إلى جزئية مهمة تصب في مصلحة العامل وبالتالي تحسين بيئة العمل وجودته، وهذه الجزئية تتمثل في تعديل احتساب مكافأة نهاية الخدمة، حيث أن القانون السابق نص على احتساب مكافأة نهاية الخدمة بالنسبة للعمال غير المنتفعين بقانون التأمينات الاجتماعية سابقاً (قانون الحماية الاجتماعية حالياً) بواقع نصف راتب أساسي عن السنوات الثلاث الأولى من عقد العمل، وراتب أساسي كامل عن السنوات من الرابعة فأعلى من خدمة العامل.

أما قانون العمل الحديث فقد نص على احتساب مكافأة نهاية الخدمة للفئة المشار إليها على أساس راتب أساسي عن كل سنة من سنوات الخدمة اعتباراً من أول سنة وحتى الأخيرة، مع استحقاق العامل المكافأة عن كسور العام بنسبة المدة التي قضاها فـي الخدمة، ويجد المطلع على هذا التعديل أنه يصب في مصلحة العامل خصوصاً العمال الذين قضوا فترات طويلة في ذات المنشأة أو في العمل لدى صاحب عمل واحد.

تجدر الإشارة إلى أن الإضافات الحديثة في القانون محل المقال شملت النص على إلزامية دفع صاحب العمل لتذاكر السفر للعامل غير العماني لقضاء فترة إجازته السنوية في بلده أو البلد التي يحددها العامل طبقاً لما ورد في نص المادة (78) من قانون العمل الجديد، ويجد الشخص المطلع على قانون العمل السابق وتعديلاته أن القانون لم يلزم صاحب العمل بدفع تذاكر سفر العامل لقضاء إجازته السنوية في دولته، وإنما ترك الموضوع ليحدد بشكل توافقي بين العامل وصاحب العمل.

صارت دعاوى تقليص العمال بالتسريح والفصل التعسفي بدواعي الظروف الاقتصادية للشركات بجميع فئاتها موجودة بكثافة على أروقة المحاكم، حيث أضحت الجدار الذي تستند عليه تلك الشركات في فصل وتسريح منسوبيها من العمال، ولم تكن هنالك ضوابط مكتوبة تحكم هذا الأمر في القانون السابق، وتخضع الظروف الاقتصادية للمنشأة في حالة تسريح منسوبيها ونشوب نزاع بين الطرفين إلى تقدير قاضي الموضوع والذي كما أسلفنا يمكن أن يصيب أو أن يجانب الصواب.

قطعاً توجد شركات تعرضت وقد تتعرض لظروف اقتصادية حقيقية تحتم عليها تقليص عدد عمالها وموظفيها واتخاذ تدابير أخرى من شأنها المحافظة على وجود تلك الشركات، وقد عالج قانون العمل الجديد هذه المسألة من جذورها، حيث وضع القانون اللبنة الأساسية لهذا الأمر بأن حدد الأسس والضوابط التي يجب أن ينبني عليها قرار تقليص الشركات لعدد عمالها، حيث أن قرار التقليص وما يترتب عليه يصدر من لجنة تشكل بقرار من وزير العمل بعضوية جميع الجهات ذات الاختصاص في هذا الشأن، والمتمثلة في وزارة التجارة والصناعة وغرفة تجارة وصناعة عمان والاتحاد العام لعمال السلطنة وبرئاسة وزارة العمل، حيث تختص هذه اللجنة بنظر الطلبات المقدمة من أصحاب العمل وفق ما نص عليه القانون الجديد في المواد (44 – 45 – 46) من مسودته.

العديد من المزايا الجيدة والتي تصب في مصلحة العامل بشكل أساسي قد اشتمل عليها القانون الجديد، ومن ضمن هذه المزايا استحقاق رصيد العامل من الإجازات السنوية التي لم يتمتع بها طوال مدة خدمته، حيث أن احتساب الإجازات غير المستغلة كان بواقع راتب شهر أساسي عن كل عام، إلا أن قانون العمل محل المقال عدل حساب الإجازات ليصبح راتب شهر شامل عن كل عام بدل الشهر الأساسي، ومن المعلوم قانوناً أن التقادم المسقط لحقوق العامل المنصوص عليها في قانون العمل هو عام واحد من تاريخ استحقاق تلك الحقوق، عدا رصيد العامل من الإجازات السنوية، حيث لا يسقط حق الإجازة طوال مدة خدمة العامل طالما أنه لم يتمتع بتلك الإجازة بسبب مقتضيات العمل، إلا أن القانون حفظ حق العامل في الاجازات التي لم يستمتع بها على مدار خدمته كما آنفنا.

نجد بشكل عام أن القانون الجديد قد قدم العلاج المتكامل لمعظم القضايا محل الخلاف – إن لم تكن كلها – في القانون السابق وتعديلاته، خصوصاً تلك التي لم يرد نص صريح بشأنها، وقدم وصفات قانونية – في رأيي – تعتبر حاسمة للخلاف في هذه المسائل.   

هنالك العديد من الإضافات والتعديلات الأخرى نص عليها القانون الجديد سنستعرضها بمزيد من التفصيل في مقالنا القادم بحول الله.

زر الذهاب إلى الأعلى