أجواءُ شهر رمضان في الصين

أسامة مختار

يُسمّى شهر رمضان فى الصين ب [جاي يويه] باللغة الصينية، وهو يتميزُ بطقوس ينفرد بها المسلمون عن سواهم وتُشير بعض الإحصاءات الرسمية إلى أنَّ عدد المسلمين الصينين حوالى 30 مليون نسمة، وبرغم قِلة عدد المسلمين مقارنة بعدد السكان في الصين الذي يبلغ 1.4 مليار إلا أنَّ الأجواء الرمضانية تُضفي ألقا على حياتهم وتشكل لوحات إيمانية رائعة في مناطق تَمركُز المسلمين، خاصة في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم في الصين وكذلك منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة والتي يشكل المسلمون حوالي 60% من سكانها إضافة إلى بعض التجمعات الإسلامية الريفية. وتنتشرالقوميات المُسلمة الصينية كذلك فى مقاطعات قانسو وتشينغهاي وشنشي بصورة رئيسية، وانتشار أبناء قومية هوي واسع نسبياً، حيث ينتشرون في مدينة بكين ونيغشيا ومقاطعة خبي ولياونينغ وآنهوي وشاندونغ وخنان ويوننان بأعداد كبيرة إضافة إلى المناطق السابقة الذكرأما القوميات العشر المسلمة في الصين من جملة 56 قومية فهي (القازاق-الأوزبك والطاجيك- التتار-الهوى- سالار-دونغشيانغ- باوآن- القرقيز-والويغور)..
ومن أجواء ومظاهر شهر رمضان الكريم الليلية قى الصين أداء المسلمين الصينيين صلاة العشاء والتراويح في مساجدهم المنتشرة على طول البلاد وعرضها إذ إنَّه فى غضون أكثر من ألف سنة بنى المسلمون الصينيون من مختلف القوميات كثيراً من المساجد الكبيرة والصغيرة. وتُفيدنا الإحصاءات أن عدد المساجد في الصين يبلغ الآن أكثر من35 ألف مسجد، علما بأن بعضها ذو تاريخ عريق، وبعضها رائع الهندسة، وبعضها متألق بضياء التبادلات الثقافية بين الصين وبلاد العرب، وهذه المساجد ليست مجرد مراكز دينية للجموع الغفيرة من المسلمين، بل هي كذلك من فرائد الآثار التاريخية في الصين.
قيل إنَّ أول مسجد ظهر إلى حيز الوجود في الصين كان في عهد أسرة تانغ (618-907م)، وهو مسجد هوايشينغ ومعناه (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو. ومسجد نيوجيه في بكين الذى يعود تاريخه إلى أكثر من ألف عام والذي يقع في حى نيوجيه الذي يقطنُه أكثرمن 12 ألف مسلم ، وكذلك مسجد “دونغ سي” ذو الخمسمئة عام الذي يقع في حى دونغ تشنغ بوسط بكين ، ومسجد يونغشو،ومسجد تشنجياو ( مسجد العنقاء) بمدينة هانتشو الجميلة ، وغيرها من المساجد القديمة، وكذلك المساجد الصينية التي بُنيت في وقت متأخر مثل جامع عيد كاه بمدينة كاشغر.
وفي نفس الوقت نجد ان المطاعم الإسلامية تنتشر بشكل واسع في الصين، حيث يُقدَر عددُها حسبما ورد في بعض المواقع بأكثر من 1000 مطعم إسلامي وهي ليست إحصائية رسمية فقد تزيد أو تنقص حسب حجمها ومساحتها وتقدم صُنوف اللحوم والمعكرونة المصنعة يدوياً وأنواعا مختلفة من الخبز والحلوى والتمر والشاي وتكون هذه المطاعم أكثرنشاطا في رمضان، ويتكون طعام الصينيين الصائمين على مائدة إفطارهم من الخبز والحلوى والتمر والشاي ، ثم يتناولون بعد ذلك أطعمة مختلفة، وقد يكون اختصارهم على أنواع محددة وقت الإفطارسببه اتباع السنّة، وأيضاً طبيعة الطعام الصيني الذى لا يمكن أن يعد مسبقاً لرغبتهم في تناول طعام طازج صحي .وكما نعلم أن السائد عند العرب تناول الحلويات بعد الفطور، ولكنَّ مسلمي الصين يفضلون الفاكهة والمكسرات بعد الإفطار. أما وجبة السحور عند المسلمين الصينين فعادة ما تكون حساء المكرونة مع الخضروات أو اللحم ،ومما تجدر الإشارة إليه أنِّ حجم سوق الأطعمة الاسلامية بالصين بلغ ١.١٨ تريليون يوان عام ٢٠١٩، ونما حجم السوق بمعدل سنوي ٥٪ خلال الفترة ما بين عامي ٢٠١٧ و٢٠١٩ .
وللجمعية الإسلامية الصينية دور كبير تجاه أبناء القوميات المسلمة إذ إنَّها تضطلع بتدريب الأئمة لصلاة التراويح وإلقاء الدروس الإسلامية وإصدار نشرات تعريفية بمواقيت الصلاة وإمساكية شهر رمضان ، تأسست هذه الجمعية مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية برغبة من الحكومة الصينية، لتنظيم التواصل بين مسلمي الصين وأخوتهم في الدين في مختلف الدول، وتأكيد علاقتهم الوثيقة من خلال الانشطة المختلفة ووحدة التعاليم، واحترام خصوصية مختلف الاطراف في كل مجال وحقل.
والمُتَبِعُ فى الصين أنَّه يتم تحديدُ شهر رمضان فلكياً وتُعلنُه الجمعية الإسلامية ودائما ما يتم صومه ثلاثين يوما، وفي بعض الأعوام صام المسلمون فى الصين ما يقارب الثماني عشرة ساعة فى اليوم،وما لفت نظري أن عدد أيام رمضان هذا العام(1445هجري) حسبما أوردته مفكرة الجمعية الإسلامية 29 يوما عكس ماهومُتعَارفٌ عليه.
والمشهود للصينيين من غير المسلمين، احترامهم وتقديرهم لعادات وطقوس المسلمين خلال شهر رمضان، حيث يقومون بتقديم التهنئات لهم في بداية الشهر وفي العيدين ، ويقدرون ظروف صيامهم ، ويحدثون أنفسهم بصبر المسلم الصائم على الجوع والعطش، بل ويشاركونهم موائد الإفطار أيضاُ ،فهناك إرث عريق وتناغم وتعايش بين الحضارتين الصينية والإسلامية قديم قدم الحضارتين العريقتين.
أما الجاليات المُسلمة فى الصين فتستقبل شهررمضان بسرور في أجواء يحاولون أن يضفوا عليها طابعاً مشابهاً لأجواء بلادهم ويتجمع معظمهم في مسجد السفارة السودانية الذى يسع لألفِ مُصل فى بكين لأداء صلاة التراويح ويلتقون عقب الصلاة لتبادل الأحاديث وأمور حياتهم اليومية،وكذلك، فإنَّ المسلمين من غير الصينيين المقيمين في الصين يمارسون طقوس شهر الفضيلة والايمان في مختلف أماكن اقامتهم، فهم يؤدون صلواتهم في المساجد ويتجمعون للافطار في المطاعم أوعلى موائد الإفطار الجماعية، ويتوجهون لأداء صلاة التراويح في المساجد والمُصَليات المنتشرة في العديد من مدن الصين، ويشتركون مع غيرهم من أبناء الصين بالحديث والنصح حول تعاليم شهر رمضان السمحة وروح التآلف والإخاء التي تنتشر على أرض الصين في هذا الشهر الكريم.
وبانقضاءِ شهررمضان ومع أول أيام عيد الفطر المبارك في الصين يَحتشدُ الآلافُ لصلاة العيد في مساجد البلاد، مُرتَدِين أبهى حُللِهم لأداءِ الصلاة وسَماع خطبة العيد، وتتَزيّنُ بهذه المناسبة بيوتُ المسلمين فى الصين بأعلام ملونة وفوانيسَ حمراء، وتُعلق على أبواب المحال وجَانبي الشوارع التى يقطنُها المسلمون لافتاتٌ كبيرة تحمل عبارات “التهنئة بعيد الفطر المبارك” وغيرها من الأمنيات السعيدة وتكتظ المساجد بالمواطنين والمحلات والمطاعم القريبة من المساجد لشراء مأكولات إسلامية مميزة احتفالاً بهذا العيد، وهكذا تبدو أجواء رمضان وتحل بعدها مناسبة العيد في جمهورية الصين الشعبية تتشكل على عدة مستويات لكنَّها تجتمع كلُّها في معاني الفرحة والبهجة.

أسامة مختار
خبير إعلامي بمجموعة الصين للإعلام
Usama3041@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى