العمل الحر لدى الشباب في سلطنة عُمان.. مسار متجدد لتنويع الدخل وتعزيز روح المبادرة

مسقط في 26 أكتوبر /العُمانية/ يشهد العمل الحر بمختلف قطاعاته انتشارًا متزايدًا بين الشباب في سلطنة عُمان، باعتباره أحد المسارات الحديثة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز روح المبادرة والابتكار، وسط تحوّل متسارع نحو نماذج العمل المرنة والمستقلة.

ويُطرح في هذا السياق تساؤل جوهري حول ما إذا كان العمل الحر يحتاج إلى عقلية ريادية فريدة أم يمكن لأي شاب اكتسابها بالتعلم والممارسة التدريجية. وتتسع مجالات العمل الحر لتشمل التقنية والتصميم والإعلام الرقمي والاستشارات والخدمات المهنية، ما يتيح فرصًا متعددة لتوظيف المهارات، شريطة الموازنة بين الشغف والواقعية؛ فبينما يدفع الشغف إلى البداية، فإن الاستمرار يتطلب انضباطًا وتطويرًا مستمرًّا لمواكبة تغيرات السوق.

ومع التحول الرقمي المتسارع، أصبح العمل الحر خيارًا اقتصاديًّا استراتيجيًّا أكثر من كونه بديلًا مؤقتًا للوظيفة، رغم استمرار هيمنة فكرة “الأمان الوظيفي” في أذهان البعض، الأمر الذي يستدعي تعزيز ثقافة التجربة والمجازفة المسؤولة.

وفي هذا الإطار، يؤكد جاسم بن مراد بن عبد الله آل محمد – خبير القيادة والتخطيط الاستراتيجي وإدارة التغيير – أن العمل الحر يمثل أحد ركائز الاقتصاد المعرفي الحديث، ويمنح الأفراد حرية أكبر في تقديم خدماتهم وتنظيم أوقاتهم وفقًا لمهاراتهم وخبراتهم. ويشير إلى أن سلطنة عُمان شهدت تحولًا ثقافيًّا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة مع تصاعد توجه الشباب نحو العمل الحر بفضل الاقتصاد الرقمي وانتشار التعليم العالي، إضافة إلى تأثيرات جائحة كوفيد-19 التي عززت الاعتماد على القدرات الفردية.

ويضيف أن التحول نحو العمل الحر مدفوع بعدة عوامل أبرزها الرقمنة المتزايدة، وظهور فرص جديدة في مجالات التقنية والتعليم والخدمات الإبداعية، إلى جانب رغبة الشباب في تحقيق الاستقلال المالي والمهني بعيدًا عن القيود الوظيفية التقليدية، وسهولة الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية عبر المنصات الرقمية.

من جهته، يرى هيثم بن خالد السعيدي – صاحب مشروع “الدار العُمانية للتصوير العقاري” – أن ثقافة العمل الحر تقوم على الحرية والمسؤولية في آن واحد، إذ تمنح الفرد مساحة لتحقيق أحلامه، شريطة امتلاك عقلية ريادية يمكن اكتسابها بالتجربة والمثابرة. ويؤكد أن تجربته الشخصية في هذا المجال أسهمت في صقل مهاراته وتنمية حسه الابتكاري، وأثبتت أن النجاح في العمل الحر يعتمد على الالتزام والجودة أكثر من كونه مجرد مغامرة مهنية.

أما سلسبيل بنت عبد الله الحوسنية – مهندسة معمارية – فتصف العمل الحر بأنه “تحول فكري واقتصادي واجتماعي” في مسيرة الشباب العُماني، موضحة أنه لم يعد مجرد وسيلة لتحقيق الدخل، بل أصبح تعبيرًا عن الوعي بالمسؤولية الفردية والقدرة على خلق الفرص. وتقول: “من خلال عملي الحر استطعتُ أن أُعبّر عن هويتي المهنية الخاصة بعيدًا عن الإطار الوظيفي التقليدي، لأن الإبداع لا يُقاس بعدد ساعات العمل، بل بالأثر الذي نتركه من خلاله”.

وتضيف أن العمل الحر يبدأ بالشغف، لكنه لا يزدهر إلا بالعقلية الريادية التي تُكتسب مع الوقت والممارسة، مؤكدة أن أي شاب يمكنه أن يكون رائدًا إذا امتلك روح التعلم والإصرار على الاستمرار مهما كانت البداية بسيطة.

وفي السياق ذاته، ترى الفنانة البصرية الزهراء بنت حسين العجمية أن العمل الحر يمثل خيارًا واقعيًّا ومُستدامًا لمن يمتلك مهارة أو شغفًا يمكن تحويله إلى مشروع ناجح، رغم ما يتطلبه من التزام وجهد مستمر. وتقول: “التحول الرقمي أتاح للشباب فرصًا واسعة في مجالات الإبداع والفن والتصميم، وجعل العمل الحر جزءًا من منظومة الاقتصاد الحديثة”.

وتوضح أن النظرة المجتمعية بدأت تتغير تدريجيًّا، فبينما ما زال بعض الأفراد يربطون النجاح بالوظيفة الثابتة، إلا أن هناك وعيًا متزايدًا بأهمية المشاريع الفردية والمنزلية التي تمثل أحد أوجه العمل الحر، مؤكدة أن الكثير من الشباب اليوم يرون في هذا المسار مصدرًا حقيقيًّا للاستقرار والنجاح.

ويؤكد سالم بن عامر الحارثي – مخطط مشروعات عقارية – أن العمل الحر أصبح خيارًا جادًّا ومناسبًا لكثير من الشباب، شرط أن يكون مبنيًّا على تخطيط واضح واستراتيجية مدروسة، موضحًا أن التوجه نحو هذا النمط من العمل لا يعني التخلي عن الأمان الوظيفي، بل الانتقال إلى مرحلة أكثر وعيًا ومسؤولية مهنية.

ويضيف: “تشير التوقعات العالمية إلى أن سوق العمل الحر سينمو بوتيرة سريعة، وقد تصل قيمته إلى مئات المليارات من الدولارات بحلول عام 2030، نتيجة زيادة الطلب على الخبرات المتخصصة في مجالات البرمجة والتصميم والتسويق الرقمي، ما يجعل العمل الحر خيارًا مستقبليًّا واعدًا إذا ما تمت إدارته بوعي وانضباط”.

ويختم بالقول إن التحدي الأكبر أمام الشباب يكمن في تجاوز فكرة أن العمل الحر مجرد محطة مؤقتة قبل الوظيفة، مشيرًا إلى ضرورة وضع أطر تنظيمية واضحة للضرائب والتأمينات الخاصة بالعاملين المستقلين، إلى جانب تعزيز ثقافة الثقة بالمبادرات الفردية بوصفها رافدًا مهمًّا للاقتصاد الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى